سيناريوهات كثيرة أعدّت لمرحلة ما بعد تقديم رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ إستقالته رسميًا إلى رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ في ​قصر بعبدا​ مطلع الأسبوع المُقبل-كما هو مُتوقّع. وبحسب ما يجري تداوله فإنّ المخرج الذي عملت ​فرنسا​ عليه يتمثل بانتقال رئيس الحُكومة من الرياض إلى باريس في الساعات القليلة المُقبلة قبل أن يتوجّه منها إلى بيروت لتقديم إستقالته شخصيًا، بعد محطة قصيرة له لبضعة أيّام في فرنسا. وفي المعلومات أيضًا، أن ما تردّد عن إمكان العودة عن الإستقالة غير وارد، لأنّ هذه الخُطوة مربوطة بشروط يرفض "​حزب الله​" مجرّد البحث فيها، وليس تنفيذها فحسب. وبالتالي السؤال الذي يفرض نفسه، ماذا بعد توجّه الحريري إلى فرنسا ثم ​لبنان​، وتقديمه إستقالته بشكل يخلو من الثغرات التي كانت سببًا في رفض إستقالته الأولى التي جاءت شفهيّة ومن خارج الأراضي اللبنانيّة؟.

في الأيّام القليلة الماضية، كانت السيناريوهات تتحدّث عن خمسة خيارات رئيسة للحل، جرى إنتقاء الحل الخامس منها قبل سُقوطه أخيرًا:

الأوّل: "حكومة تكنوقراط"، لكنّ هذا الإقتراح سقط نتيجة رفض رئيس الجمهورية ومعه "حزب الله" له، خاصة وأنّ المرحلة سياسيّة بامتياز وتتطلّب حكومة سياسية.

الثاني: تشكيل حكومة جديدة برئاسة الحريري من دون أن يتواجد فيها أي مُمثّل مُباشر لحزب الله، الأمر الذي رفضه "الحزب قطعيًا"، ومعه العديد من القوى الأخرى، ما أدّى إلى سحبه من التداول نهائيًا.

الثالث: إقناع الحريري بالتراجع عن إستقالته، أو بتشكيل حكومة جديدة يكون "حزب الله" مُشاركًا فيها، لكن مع اللجوء إلى مخرج كلامي بشكل صيغة جديدة للنأي بالنفس، لكنّ عدم قُدرة الحريري على رئاسة أي حكومة يكون "حزب الله" مُشاركًا فيها، ما لم يبدأ هذا الأخير فعليًا وقف تدخلاته العسكريّة والأمنيّة في ​اليمن​ و​سوريا​ وغيرهما، أسقط هذا الإقتراح.

الرابع: تشكيل حُكومة "مُواجهة" برئاسة شخصيّة سنّية محسوبة مباشرة على قوى "8 آذار"، من دون مُشاركة "تيّار المُستقبل" والقوى المُصنّفة إلى جانبه، لكنّ عدم حماس رئيس الجُمهورية لهذا الخيار، وصُعوبة نيل هكذا حكومة لثقة ​مجلس النواب​، وحتميّة دخول لبنان في المزيد من التوتير والمشاكل في حال نيل هكذا حكومة الثقة، أسفر عن إستبعاد هذا الخيار أيضًا وأيضًا.

الخامس: تقديم الحريري إستقالته رسميًا، وإعادة تكليفه من جديد مع التوقّع المُسبق بأن يفشل في ذلك، ما يؤدّي إلى بقاء الحكومة الحالية في مرحلة تصريف الأعمال حتى موعد الإنتخابات النيابيّة المُقبلة، لإعادة تشكيل السُلطة السياسيّة من جديد. وقد وجد أكثر من طرف أنّ هذا الخيار هو الأفضل للتعامل مع الأزمة الحالية، ولامتصاص إرتداداتها، قبل أن يسقط هذا الخيار من جديد في الساعات الماضية، مع تسرّب معلومات جديدة أنّ الحريري سيرفض بعد تقديمه إستقالته رسميًا، تكليفه من جديد!.

وقد تدارست قوى "8 آذار" إرتدادات هذا الإحتمال، ووضعت خطة "باء" للتعامل معه، في حال أصرّ رئيس الحكومة المُستقيل عليه، حتى بعد التداول في خلفيّات الأزمة وفي مخارجها مع رئيس الجُمهوريّة. وعُلم أنّ من بين أبرز الخيارات التي يُرجّح أن تلجأ إليها قوى "8 آذار" في حال رفض الحريري تكليفه من جديد، تشكيل حكومة مُواجهة مع حرص على تعيين وزير داخلية ينتمي إلى هذه القوى، بحيث أنّه في حال عدم نيل الحُكومة المذكورة الثقة-كما هو مُرجّح، يقتصر دورها على تصريف الأعمال، والأهم يقتصر دور رئيسها ومعه وزير الداخليّة المُعيّن فيها، على إتخاذ الإجراءات القانونيّة والدستوريّة لتنظيم ​الإنتخابات النيابية​ في موعدها في أيّار المُقبل، بالتنسيق طبعًا مع رئيس الجمهورية وباقي الجهات الرسميّة المَعنيّة.

لكن وبما أنّ ما يجري في لبنان هو أعمق من مجرّد إجراء دُستوري، سيتم رفع مُستوى التوتّر الداخلي والضغوط الخارجية، ليس فقط عبر رزمة جديدة من العقوبات والإجراءات العربيّة والدَوليّة بحقّ "حزب الله"، وإنما من خلال دفع "تيّار المُستقبل" إلى إعتبار أنّ رفض التقيّد بمطالب النأي بالنفس فعليًا وليس كلاميًا، أي عبر إنسحاب "حزب الله" جديًا من ساحات المُواجهة في الدول العربيّة، يعني سُقوط أسس "التسوية" التي حصلت في لبنان منذ نحو العام، والعودة إلى حال الشلل السابق، والتي ستنسحب هذه المرّة على الحكومة من خلال إنكفاء رئيسها عن لبنان وإبتعاده عمليّا عن العمل السياسي مرحليًا، وُصولاً إلى إحتمال إستقالة مُمثّلي "تيّار المُستقبل" و"القوات" منها لإسقاطها بالقوّة، في حال الإصرار على إحيائها بالقوّة! وسقوط الحكومة ومعها "التسوية" يعني أنّ الإنتخابات النيابية لن تحصل في موعدها لأنّ قانون الإقتراع جاء ضُمن هذه التسوية. وبالتالي المرحلة المقبلة ستكون عبارة عن عمليّات "شدّ حبال" إقليمي مفتوحة، بالتزامن مع كثير منالتدخلات والوساطات الدَوليّة، لإيجاد مخرج جديد وتسوية جديدة تحفظ إستقرار لبنان وتمنع سقوطه في الهاوية.