على مشارف الإنتهاء من أبرز المعارك ضد عناصر تنظيم "داعش" في سوريا، يبدو أن أغلب الأفرقاء الفاعلين بدأوا العمل على ترتيب أوراق قوتهم. وضمن هذا السياق تأتي الدعوات، التي توجهها قيادات في قوات "سوريا الديمقراطية" ذات الأغلبية الكردية، إلى ​الولايات المتحدة الأميركية​ من أجل البقاء في سوريا بعد إنتهاء المعارك مع التنظيم ​الإرهاب​ي، تحت عنوان "ضمان الوصول إلى الحل السياسي".

المواقف الكردية الأخيرة لا تأتي من فراغ، بل هي بمثابة رد على ما كان قد أعلنه وزير الدفاع الأميركي جايمس ماتيس، الذي ربط مدة بقاء قوات بلاده في سوريا بالتقدم على مسار محادثات جنيف، ما يعني أن هذا المطلب أميركي بالدرجة الأولى، وبأن تواجد واشنطن في سوريا لن ينتهي بعد القضاء على عناصر "داعش".

في هذا السياق، ترفض مصادر كردية مطلعة، عبر "​النشرة​"، إعتبار أن ما صدر من مواقف يعود إلى الإرتهان لرغبات الولايات المتحدة بأي شكل من الأشكال، مشيرة إلى أن الواقع السوري، على مستوى تداخل العوامل الإقليمية والدولية، لم يعد خافياً على أحد، مشيرة إلى أن لدى "​قوات سوريا الديمقراطية​" مخاوف حقيقية من الأطماع الإيرانية والتركية، لا سيما أن كلا من طهران وأنقرة شريكتان، إلى جانب موسكو، في مسار آستانة، وهما تسعيان بشكل دائم إلى تأمين مصالحهما بعيداً عن باقي اللاعبيين الآخرين.

وتذكر هذه المصادر بأنه إلى جانب المواقف التركية، المعروفة منذ بداية ​الأزمة السورية​، لم يتردد الجانب الإيراني في الفترة الأخيرة من الإعلان عن موعد إقتراب إعلان ​الحكومة السورية​ معركة لتحرير ​مدينة الرقة​، بعد أن كانت "قوات سوريا الديمقراطية"، بدعم من ​التحالف الدولي​ الذي تقوده واشنطن، قد نجحت بطرد عناصر "داعش" منها، وتسأل: "هل المطلوب أن يدفع ​الأكراد​ الثمن بعد التضحيات التي قدموها في الحرب على الإرهاب".

على هذا الصعيد، تشير هذه المصادر إلى أن الموقف السوري الرسمي لا يختلف عن الموقفين التركي والإيراني، لا سيما أن دمشق لا تزال تعتبر أن الرقة محتلة، وتلفت إلى أن الرهان هو على الدورين الأميركي والروسي لمنع الوصول إلى مرحلة الصدام المباشر، خصوصاً أن الإتصالات والإتفاقات قائمة بين الجانبين، وكان آخرها ما صدر بعد إجتماع كل من الرئيسين الروسي ​فلاديمير بوتين​ والأميركي ​دونالد ترامب​، على هامش قمة آسيا-المحيط الهادئ في فيتنام، حيث اتفقا على أن ليس للنزاع في سوريا أيّ حل عسكري.

وفي حين لا تزال المصادر الكردية تؤكد أن لا مشروع إنفصالي لها وبأن ما تطالب به هو الفيدرالية، تشدد على أن من غير المسموح تكرار سيناريو كركوك في الرقة، كاشفة أن العمل الأكبر، في المرحلة المقبلة، سيكون على المستوى الدبلوماسي، حيث ستسعى "قوات سوريا الديمقراطية" إلى الحصول على دعم دولي وإقليمي أوسع لمشروعها، قبل الإنتقال إلى مرحلة البحث عن الحل السياسي، لا سيما أن القوى الداعمة لها لن ترضى بأن تخسر ما قدمته في الميدان على طاولة المفاوضات.

في الجانب المقابل، لا تبدو دمشق معنية بما يصدر عن "قوات سوريا الديمقراطية"، لا سيما أنها، حتى الساعة، لا تزال تؤكد بأن عمل التحالف الدولي على الأراضي السورية غير شرعي، نظراً إلى أنه لم يأتِ بناء على طلب الحكومة السورية التي لا تزال تحظى بإعتراف شرعي من جانب الأمم المتحدة، وهي تصف الوجود الأميركي على أراضيها بالإحتلال، لكن ماذا بعد الإنتهاء من المعارك مع "داعش"؟.

وتشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن الساحة السورية مقبلة على موجة واسعة من التداخلات السياسية والدبلوماسيّة، خصوصاً أن هناك أكثر من مسار للعمل، لكنها تشير إلى أن السؤال الأساسي يبقى حول ما تريده الولايات المتحدة في المرحلة المقبلة، فلا أحد يتوقع منها أن تعلن سحب قوتها أو إنتهاء دور التحالف الدولي بعد القضاء على "داعش"، كما أن الأزمات التي كانت تؤجّل البت بها حان موعدها، في حين أن موسكو تسعى إلى تثبيت دورها الجديد كراع للسلام السوري.