نجحت الجهود الدبلوماسية ال​لبنان​ية في إخراج رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ من الرياض إلى باريس، بعد أن أثيرت الكثير من علامات الإستفهام حول إقامته في المملكة العربية السعودية، لكن الأزمة السياسية التي فجرتها الإستقالة الملتبسة التي كان قد تقدم بها لم تنته بعد، بل يمكن القول أنها تبدأ لحظة وصوله إلى ​بيروت​، حيث سيكون عليه تثبيتها بشكل رسمي أمام رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ أو العودة عنها لاستكمال المهمة المكلفة بها إلى حين موعد ​الإنتخابات النيابية​ المقبلة في شهر أيار من العام المقبل.

في هذا السياق، لا تبدو الخيارات أمام رئيس الحكومة واسعة، نظراً إلى الضغوط المفروضة عليه من الجانب السعودي، والتي استبقت عودته إلى لبنان بالقرار التصعيدي الأخير ضد "​حزب الله​"، الصادر عن إجتماع ​وزارة الخارجية​ العرب في القاهرة، ما يعني تحديد السقف له حيث لا يمكن أن يتجاوزه.

على هذا الصعيد، تشير مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن الحريري، الذي يرفض الإدلاء بأي موقف سياسي قبل عودته إلى لبنان والإجتماع مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، أمام 3 سيناريوهات صعبة لا يمكن له تجاوزها بأي شكل من الأشكال، ولكل منها ثمنه السياسي الخاص، الأمر الذي يفرض عليه التفكير جيداً بأي قرار يتخذه في الأيام القليلة المقبلة.

من وجهة نظر هذه المصادر، الأزمة الخارجية التي كانت مسيطرة على البلاد، بسبب الإتهامات التي وجهت من لبنان بإحتجاز الحريري في الرياض، يمكن القول أنها إنتهت، خصوصاً أن الحريري لن يذهب إلى تأكيدها لدى عودته إلى بيروت، لكن الأزمة الداخلية الناجمة عن الإستقالة هي التي تحتاج إلى معالجة، بالرغم من أن السقف الذي كانت المملكة رفعته تراجع، بسبب الإصرار الدولي على الحفاظ على الخطوط الحمراء المحليّة، بالنسبة إلى للإستقرار المحلي ومنع إنزلاق لبنان إلى المجهول.

إنطلاقاً من ذلك، تشير هذه المصادر إلى أن الحريري لدى عودته سيكون أمام السيناريوهات التالية: العودة عن الإستقالة بما يعنيه ذلك من تداعيات سياسية ستُفسر بأنها صفعة إلى الضغوط التي يمارسها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، نظراً إلى أن الأخير واضح في توجهه نحو الدخول بمواجهة مع الجمهورية الإسلامية في ​إيران​ على مستوى المنطقة، وتؤكد بأن هذا الإحتمال مستبعد إلى حد بعيد، بالرغم من أنه قد يكون الأفضل بالنسبة إلى لبنان. السيناريو الثاني هو تثبيت الإستقالة من جانب رئيس الحكومة بشكل رسمي ونهائي مع الإلتزام بالتوجّهات السعودية التي أبلغ بها خلال تواجده في المملكة، أي أن يقود المواجهة التي تريدها الرياض من حلفائها في لبنان مع "حزب الله"، وهو ما ترى المصادر أنه أمر مستبعد أيضاً بسبب معرفته المسبقة بأن هذه المواجهة خاسرة من جهة، وبسبب الخطوط الحمراء المذكورة آنفًا.

بالنسبة إلى السيناريو الثالث، الذي تعتبر المصادر أنه الأقرب إلى الواقع، فهو ينص على تثبيت الإستقالة أيضاً، لكن مع دخول رئيس الحكومة وباقي الأفرقاء المحليين في حوار داخلي للإتفاق على طريقة مواجهة المرحلة المقبلة بأقل قدر ممكن من الخسائر، وبالتالي الرهان على دور كل من رئيس الجمهورية في هذا المجال، خصوصاً أن الحريري أثنى على دور عون في أكثر من مناسبة، ورفض الحديث عن أي أمر سياسي قبل الإجتماع به في بيروت، لكنها تشير إلى أن هذا السيناريو يتطلب تقديم تنازلات من جانب "حزب الله"، وتسأل: "هل الحزب مستعد لذلك"؟.

من وجهة نظر هذه المصادر، قد لا يُمانع الحزب تقديم تنازلات للحفاظ على الإستقرار المحلي، لكن المشكلة تكمن بأن أي تنازل قد يقدم عليه، في الوقت الراهن، سيُفسر بأنه نتيجة الضغوط التي تمارس من قبل الرياض، وتؤكد بأن هذا ما لا يمكن أن يقبل به بسبب المواجهة المفتوحة بين الجانبين، لكنها تشير إلى أن الأفرقاء المحليين ومن خلال هذا السيناريو، فتح الباب أمام حلول منطقية، ستتطلب تعاون الجميع دون إستثناء.

في المحصلة، ستنقل عودة الحريري البلاد إلى المرحلة الثانية من الأزمة، التي تتطلب تعاون جميع الأفرقاء لتجاوزها، فهل تنجح القوى السياسية المحلية في ذلك بعد أن تمكنت من تجاوز المرحلة الأول بنجاح؟.