وسط السيناريوهات الكثيرة التي جرى توقّعها للوضع في ​لبنان​ ما بعد استقالة الحريري، أكّدت أوساط سياسية بحسب معلومات موثوقة، أنّ الحريري سيعود الى لبنان للمشاركة في الذكرى الـ 74 ل​عيد الإستقلال​، وسيعمل على تقديم استقالته للرئيس عون وفقاً للأطر الدستورية، وسيشير الى النقاط التي أوصلت الأمور الى هذا الحدّ، وهو لن يعود عنها، على ما يأمل البعض. أمّا الأسباب فكثيرة أبرزها اولا اأنّ العودة عن استقالته ستؤكّد وجهة النظر القائلة بأنّه أُرغم على تقديمها من الرياض وأنّ نصّها كُتب له بأيدٍ سعودية ولم يقم سوى بقراءته، ولم يكن بالتالي مقتنعاً بالأسباب التي قدّمها ووضعها فيما بعد ضمن وصف "الصدمة الإيجابية".

اما ثانياً، لأنّ أسباب استقالته المتعلّقة بشكل أساسي بـ "التدخّلات ال​إيران​ية في الشؤون الداخلية للبلدان العربية في لبنان و​سوريا​ و​البحرين​ و​اليمن​ ورغبتها في تدمير الأمة العربية والسيطرة عليها"، وبـ فرض ​حزب الله​ أمر واقع في لبنان بقوة سلاحه الذي يزعم أنّه سلاح مقاومة، وهو الموجّه الى صدور أخواننا السوريين واليمينين، فضلاً عن اللبنانيين، ما أصبح معه لبنان محل الإدانات الدولية والعقوبات الإقتصادية بسبب إيران وذراعها حزب الله، على ما جاء في بيان الإستقالة، من الصعب إيجاد الحلول السريعة والفورية لها، فالحديث عن أنّ "إيران وأتباعها خاسرون في تدخّلاتهم في شؤون الأمة العربية"، وعن أنّه "ستُقطع الأيادي التي تمتدّ الى الأمة العربية بالسوء" شيء، والتنفيذ شيء آخر.

في حين العامل الثالث يشير أنّ ما ورد في بيان استقالة الحريري عن إيران وحزب الله، والذي جاء متطابقاً حرفياً مع ما ورد في البيان الختامي للإجتماع الطارىء لوزراء الخارجية العرب الذي عُقد الأحد في ​القاهرة​، قد عبّر لبنان عن موقفه الرسمي منه بالتشديد على مبدأ "النأي بالنفس" وبتمسّكه بمعادلة تحصين ساحته الداخلية ورفضه بالتالي توصيف حزب الله ب​الإرهاب​ي كونه مكوّناً أساسياً ليس فقط في الحياة السياسية اللبنانية، إنّما من الشعب اللبناني، مع التأكيد على رفضه تدخّل أي دولة في شؤونه الداخلية، وعدم تدخّله بالتالي في الشؤون الداخلية لأي دولة أخرى. فالرسالة قد وصلت إذاً للسعودية وسائر ​الدول العربية​، ولبنان لن يُغيّر موقفه من حزب الله بين ليلة وضحاها، وإن أدّى ذلك لاستقالة رئيس ​الحكومة​ مرغماً بضغط من السعودية، ولإدخال البلاد في مرحلة صعبة.

وبحسب الاوساط، فالمملكة على ما ظهر، لا يهمّها إذا ما تعمّر لبنان أو تدمّر، بقدر ما تهتم أولاً وأخيراً مصالحها في المنطقة، وقدّ جنّ جنونها عندما أشار رأس النظام الإيراني أنّ "إيران تسيطر على مصير دول المنطقة، وأنّه لا يمكن في العراق وسوريا ولبنان وشمال أفريقيا و​الخليج العربي​ القيام بأي خطوة مصيرية دون إيران"، ولهذا قرّرت التصعيد، غير أنّها لم ولن تصل الى مبتغاها.

أمّا موقف لبنان المبدئي هذا فلم يُعجب السعودية بالطبع، أكدت الاوساط، ما يُحتّم على الحريري تقديم استقالته للرئيس عون إثر عودته الى لبنان، لأنّ تراجعه عن ذلك، سوف يُظهر محور الممانعة منتصراً على الدول العربية رغم تصعيدها في ​الجامعة العربية​ ضدّه، علماً أنّه سبق للجامعة وأن اتخذت قراراً مماثلاً ضدّ إيران وحزب الله عندما وضعته في خانة "الإرهابي"، وذلك منذ نحو السنتين، ولم يحصل أي تداعيات على إثره، وتقوم اليوم بالتصعيد نحو ​مجلس الأمن الدولي​، على ما أشارت الأوساط، والذي لن يتخذ اي إجراءات جديدة ضدّ إيران والحزب في الوقت الراهن.

وترى الاوساط أنّ مشاركة حزب الله في الحكومة والبرلمان والحياة السياسية تجعل دول عدّة في مجلس الأمن الدولي تتحفّظ على إدانته بالإرهاب، لكي لا تدين عبره ​الدولة اللبنانية​، مضيفة ان لهذا تسعى المملكة الى إخراجه من الحياة السياسية، لكي يبقى ملتصقاً بالسلاح فقط، ويُصبح بإمكانها انتزاع قرار دولي بأنّه حزب "إرهابي"، وما دام يُعتبر ذراع إيران في المنطقة، يُمكنها بالتالي اتهام إيران دولياً بسيطرتها على دول المنطقة من خلال ممارستها الأعمال الإرهابية في بعض الدول العربية وما الى ذلك.

وذكرت الاوساط بأنّ التطمينات التي جاءت على لسان الأمين العام لجامعة الدول العربية ​أحمد أبو الغيط​ خلال زيارته أمس الى لبنان بعد اجتماع وزراء الخارجية العرب، والتي قال فيها بأنّ الدول العربية تتفهّم تركيبة لبنان وخصوصيته وتريد تجنيبه أو إقحامه في أي خلاف أو إلحاق أي ضرر به، وبأنّها بالتالي لا تقصد اتهام لبنان بالإرهاب لمجرّد أنّها ذكرت عبارة "مشاركة" طرف معيّن، لن تقف حائلاً دون تقديم الحريري لاستقالته، كما أنّها لا تُخفّف من وطأة ما ترسمه السعودية والدول العربية للبنان.