قبل ساعات قليلة من موعد عودته الى لبنان لم يعط الرئيس ​سعد الحريري​ اشارة واضحة لحسم مصير استقالته التي اعلنها خلال محنة الاسبوعين التي قضاها في السعودية.

وبانتظار عودته واللقاء به فضّل الرئيسان عون وبري عدم التكهّن واستباق الامور وان كان كل منهما يرغب بأن يتراجع عن هذه الاستقالة لأن في ذلك مصلحة للبنان ولمسيرة استقراره السياسي.

ويقول مصدر سياسي بارز ان امام الحريري خيارين: اما العودة عن الاستقالة واستمرار ترؤسه حكومة فاعلة ومتعافية، او الاصرار عليها وبقائه رئيس حكومة تصريف اعمال نظرا للمناخ الذي لا يؤشر الى امكانية تشكيل حكومة جديدة في المدى المنظور.

ويرى المصدر ان رئيس الحكومة لن يتحرر من الضغوط الكبيرة التي واجهها ويواجهها من القيادة السعودية، وبالتالي فإن موقفه السياسي سيبقى في دائرة ما قاله في اطلالته الاعلامية، ولن يتمكن من العودة الى ما كان عليه سابقا.

لكنه في الوقت نفسه لا يستطيع الذهاب الى مواقف متطرفة لأن ذلك ينزع عنه المواصفات التي جعلته وتجعله شريكا في الحكم. فكيف سيتصرف للموازنة بين الضغوط السعودية وموجبات التسوية التي اتت به رئىسا للحكومة؟

ثمة علامات واضحة بأن الشركاء الاساسيين في الحكم وفي التسوية يسعون الى تقديم تسهيلات للحريري من اجل الاستمرار في موقعه، ولقطع الطريق امام «المتطرفين» الذين يتربصون به قبل الاخرين، ويسعون الى تنفيذ «اجندة» متشددة للاطاحة بمسار التسوية السياسية في البلاد والانتقال الى مرحلة من التجميد والتصعيد.

وبرأي المصدر السياسي ان الميزات التي عززت فرص الحريري للوصول الى رئاسة الحكومة بهذا الزخم، تستند بالدرجة الاولى على اعتداله وانحيازه للنهج الحواري، وان تخلّيه عنها يفقده الرصيد الاساسي للموقع الذي يتمتع به شعبيا وسياسيا.

وعلى عكس ما يقال فإن الحريري يدرك هذه الحقيقة، لذلك لا يستطيع ان يستبدل ثوبه بشكل انقلابي رغم حرصه في الوقت نفسه على الالتزام بموجبات العلاقة مع القيادة السعودية الجديدة.

وانطلاقا من هذه الحقيقة سيسعى الحريري في اطار اعادة ترتيب بيته الداخلي الى خلق توازن دقيق بين الصقور والحمائم، بين «المتطرفين السبهانيين» والمعتدلين الذين ينظرون بموضوعية في التعامل مع الساحة اللبنانية.

وحسب المعطيات المتوافرة حتى الان فإنه لن يتخلى عن الدور الاساسي الذي يلعبه ابن عمته ​نادر الحريري​، ولن يبعد الوزير ​نهاد المشنوق​ عن الحلقة المحيطة به. وفي الوقت نفسه لن يستطيع تجاهل المتشددين الذين لديهم النزعة المتطرفة مثل ​عقاب صقر​ و​نديم قطيش​ وغيرهما.

وبمعنى آخر، يعتقد المصدر ان الحريري لن يحدث «انقلابا» في اعادة ترتيب البيت الداخلي، وان متقضيات الاستمرار في المسار اللبناني للحكم تفرض عليه المحافظة على التوازن بين جناحي تياره بحيث يستطيع ان يحافظ على المعتدلين الحواريين الذين يحافظون على ​الهوية اللبنانية​ المعتدلة لتياره، ويراعي في الوقت نفسه الخطاب السعودي الذي بات يحاصره اكثر بعد التجربة المرّة التي قضاها في ​الرياض​.