بين الرابع من تشرين الثاني الحالي والثاني والعشرين منه، فترة ايام كانت كفيلة بقلب الوضع السياسي في لبنان رأساً على عقب. ففي الرابع كان لبنان مع قنبلة سياسية فجّرها رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ من السعودية باستقالته من الرياض بشكل مفاجىء، وفي الثاني والعشرين منه اعلن هو نفسه من القصر الجمهوري سحب الاستقالة بعدما تمنى عليه رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ التريّث في تقديمها ولاجراء مشاورات حول اسباب هذه الاستقالة.

البعض تفاجأ من خطوة الحريري والبعض الآخر تحفظ عليها، ولكن عدداً من المتابعين توقف عند محطات ومؤشرات وتطورات ادت كلها للوصول الى هذه الخطوة التي عكست ارتياحاً على الوضع الداخلي، وعززت قوة المسؤولين الرسميين في لبنان بشكل كبير اي رؤساء الجمهورية و​مجلس النواب​ ومجلس الوزراء.

بداية، لا يمكن اغفال الموقف اللبناني الرسمي الذي جنّد العالم اجمع لانهاء الغموض الذي لاحق قضية الحريري في السعودية، حتى انها تحولت الى محط اهتمام الاعلام العالمي رغم كل الظروف التي تمرّ بها المنطقة. مع وصول الحريري الى ​فرنسا​، كان واضحاً ان مبادرة ما بدأ العمل عليها بقيادة فرنسا ومشاركة مصر (وفي الفترة الاخيرة قبرص) تحت انظار روسيّة واميركيّة، لانقاذ الوضع وارضاء الجميع، اي عدم التفريط بالوضع في لبنان وفي الوقت نفسه انقاذ ماء وجه المملكة العربية السعودية، وهو ما بدأ بخطوات بسيطة ولكن مهمة. اولى هذه الخطوات كان عدم تحدّث الحريري بالسياسة بشكل علني خارج لبنان، وتخفيف اللهجة التصعيدية من قبل المسؤولين اللبنانيين تجاه السعودية، وهو ما حصل بشكل فوري. وتلت هذه الخطوة مسألة مهمّة تعلقت بكبح حماسة وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثائر السبهان وكفّ يده عن الملف اللبناني، في مقابل ابراز حيثيّة السفير السعودي الجديد في بيروت وليد اليعقوب الذي يبدو انه سيتولى التعبير وحده عن الموقف السعودي فيما خصّ لبنان. وبدا واضحاً ان خطوة ارسال السفير الجديد هي خطوة ايجابية تجاه بيروت ترافقت مع برقية تهنئة ملكيّة سعودية بالاستقلال، ولكن الاهم ان الرسالة التي سجّلها وصول اليعقوب تقضي بالحفاظ على "هيبة" السعودية من خلال قيام عشرة سفراء دول عربية باستقبال السفير السعودي في سابقة لم يشهد لبنان مثيلاً لها.

هذه المعطيات ترافقت مع موقف مهم اعلنه الامين العام ل​حزب الله​ السيّد ​حسن نصر الله​ فتح فيه الباب امام عودة عناصر الحزب من ​العراق​ و​سوريا​ في وقت قريب، ونفيه بشكل قاطع اي وجود عسكري للحزب في ​اليمن​، وكلام الرئيس ميشال عون في رسالته الى اللبنانيين حول التزام لبنان بالنأي بالنفس ووجوب ان يلتزم الآخرون بعدم التدخل بشؤونه. اي بمعنى آخر، تم من حيث المبدأ تلبية شروط الحريري التي كان ذكر انها كفيلة بعودته عن الاستقالة. عملياً، لم يتغيّر شيء من حيث مواقف الاطراف اللبنانية، فالمسؤولين اعلنوا اكثر من مرة سابقاً النأي بالنفس، والتزم الحزب بما قاله في السابق لجهة دعمه اليمنيين اعلامياً وسياسياً وليس عسكرياً، ويبقى بالتالي معرفة كيف سترد السعودية على ذلك، مع الاخذ بالاعتبار الاتصالات الدولية التي تجرى على اكثر من صعيد وعلى اكثر من مستوى في ظل التقدم الكبير الحاصل على الصعيد السوري، فيما قد يكون ثمن التراجع السعودي في الملف اللبناني "غض النظر" عن امكان استعمال ورقة حقوق الانسان في شأن الاعتقالات التي حصلت على صعيد الامراء وكبار رجال الاعمال السعوديين، والاهم الحصار المفروض على اليمن والذي يهدد بحصول كارثة انسانية وفق تحذيرات ​الامم المتحدة​.

محطات كثيرة تم قطعها في فترة زمنية قليلة من اجل انهاء الوضع الشاذ الذي شهده لبنان، فهل ستكفي الاتصالات المحلية والدولية لاعادة الامور الى ما كانت عليه قبل الرابع من الشهر الحالي، ام ان المسألة تحتاج الى المزيد من البحث وتقديم التنازلات المتبادلة كي ينعم اللبنانيون بوضع مستقر سياسياُ لا يكفي لاصلاح شؤونهم، ولكنه على الاقل لا يجعلها تتدهور؟!.