لم يتأخر رئيس الحكومة ​سعد الحريري​، بعد عودته إلى لبنان، في الإعلان عن تريثه في الإستقالة التي كان قد أعلن عنها من العاصمة ​السعودية​ ​الرياض​، بناء على تمني رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​، مطلقاً الدعوات إلى الإلتزام بـ"نأي بالنفس" حقيقي عن أزمات المنطقة.

وبعيداً عن كل ما يُحكى عن ظروف رئيس الحكومة، منذ لحظة مغادرته إلى الرياض وصولاً إلى اليوم، هناك حقيقة واحدة لا يمكن تجاهلها، تكمن بأن الحريري يتعرض لضغوطات كبيرة تتطلب الوقوف إلى جانبه في هذه المرحلة الصعبة، لحماية التسوية المحلية والإستقرار الداخلي.

في هذا السياق، تُصر مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، على أن أصعب ما يواجهه رئيس الحكومة، في الوقت الراهن، يتعلق بعدم إستيعاب البعض ما يمر به من ظروف نتيجة الأزمة الأخيرة، وتشير إلى أن الرجل، الذي قرر التريث بالإستقالة، هو عملياً لا يستطيع الخروج من تحت العباءة السعودية، نظراً إلى تأثير المملكة المعروف على الساحة المحلية، وبالتالي المطلوب مساعدته للتخفيف من الأسباب التي تدفع الرياض إلى رفع السقف عالياً، أو على الأقل عدم إعطائها مبررات إضافية.

إنطلاقاً من ذلك، تستغرب هذه المصادر مما يطرحه البعض لناحية مطالبة الحريري بالإعلان عن إبتعاده عن المملكة، بسبب ما قيل في الفترة الماضية عن وضعه في الإقامة الجبرية أو إحتجازه، وتؤكد بأن هذا الأمر لا يمكن تصوره بأي شكل من الأشكال، وتوضح أن خطوة التريّث نفسها ما كان ليقدم عليها لو لم يحصل على غطاء لها من قبل جهات إقليمية ودولية أخرى، تكفّلت بالحصول على موافقة الرياض أو على الأقل عدم معارضتها، وتضيف أن "الدليل على ذلك هو ما نقل عن لسان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، عن أن الحريري لن يواصل منح غطاء سياسي لحكومة يسيطر عليها ​حزب الله​".

وتشدد هذه المصادر على أن المسار الذي سلكته الأزمة لا يعني أنها طويت أو حُلّت، بل على العكس من ذلك فانّ السعودية لا تزال تُصر على مواقفها السابقة، خصوصاً أن هناك من يقول أنها تعرضت لصفعة قوية على الساحة اللبنانية، في حين هي أرادت منها التأكيد بأن إستمرار الواقع على ما هو عليه لم يعد وارداً بالنسبة لها.

بناء على ذلك، تستغرب المصادر نفسها توقيت كلام قائد الحرس الثوري الإيراني ​محمد علي جعفري​ الأخير، عن أن سلاح "حزب الله" غير قابل للتفاوض، وتشير إلى أن الحزب نفسه لا يتبنى هذا الموقف، بل هو في السابق كان مشاركاً في طاولة حوار وطني على رأس قائمة جدول أعمالها بند الإستراتيجية الدفاعية، وهذا الأمر قد يتكرر في المستقبل، ولا أحد يتوقع أن يرفض الحزب أي دعوة لحوار من هذا النوع، بالرغم من موقفه المعروف من هذه القضية.

على هذا الصعيد، ترى هذه المصادر أن هناك شبه إتفاق بين الأفرقاء المحليين على التهدئة، بهدف التخفيف من حدة الضغوطات التي يتعرض لها رئيس الحكومة، لكن المشكلة تكمن بأن الجانبين الإيراني والسعودي يُصران على التصعيد المتبادل بينهما، من خلال التصاريح التي تصدر بين الحين والآخر، الأمر الذي يدفع بعض القوى اللبنانية إلى الرد بشكل مباشر، وتضيف، "هذا الواقع الضاغط لن ينتهي في وقت قريب، خصوصاً أن التسوية على مستوى المنطقة تقترب كل يوم أكثر، ما يفرض على كل محور رفع أسهمه عبر المواقف التصعيدية".

في المحصلة، مفاعيل الأزمة التي بدأت مع إعلان الحريري إستقالته من الرياض لم تنته مع قبوله التريث بها في بيروت، لا بل هي قد تتصاعد، في الأيام المقبلة، بحال فشل المشاورات القائمة بالوصول إلى إتفاق جديد، يعيد الحياة إلى التسوية السياسية.