يدور منذ أيام جدلٌ كبير في لبنان حول توقيف الممثل الكوميدي والصحافي ​زياد عيتاني​. المعلومات الامنية المعلنة حتى الان تقول انه مخترق من قبل ​اسرائيل​ لمهام قد تكون كبيرة الخطورة. شأن القضاء حاليا استكمال التحقيقات والمحاكمة لتبيان كامل وقائع هذا الملف.

لكن لا بدّ من وضع بعض النقاط على الحروف في سياق الحرب الاسرائيلية على لبنان والمستمرة منذ استقلاله حتى اليوم:

أوّلاً-يجب أن نتفق نحن اللبنانيين على أن اسرائيل تتعامل مع لبنان الدولة والشعب والجيش على أنه عدو. هي أصدرت عشرات التصريحات من ​بنيامين نتانياهو​ وأفغيدور ليبرمان وغيرهما تحمّل الدولة اللبنانية ورئيسها وحكومتها مسؤولية مباشرة عن أي تطور أمني. ليس منطقيا مطلقا إذاً التخفيف من هذا الأداء الاسرائيلي العدواني في أي وقت؛ أو تسخيفه لمصالح سياسية لبنانية ضيقة؛ أو لمصلحة طرف خارجي.

ثانياً-إن إسرائيل تريد تطويق ​حزب الله​ بأي شكل كان. هي عملت ولا تزال تعمل على الضغط مباشرة أو عبر لوبياتها الغربية والعربية لتصوير المقاومة كأنها منعزلة عن البيئة اللبنانية وأنها محصورة في قسم من المجتمع الشيعي، وسيكون من مصلحتها في هذه الحالة تنفيذ اغتيال أو اغتيالات بغية ارباك الساحة الداخلية وتحميل الحزب المسؤولية. وهذا أخطر ما في هذه المرحلة.

ثالثاً-إنّ ثمة مناخا دوليا وعربيا يتطور بغية تمرير صفقة عربية-اسرائيلية تنهي ​حق العودة​ الفلسطيني وتمهّد لإقامة علاقات دبلوماسية علنية بين اسرائيل ودول خليجية وتقرر دفع السلطة الفلسطينية المقبلة إلى إعلان انهاء الصراع العربي الفلسطيني بغطاء من ​جامعة الدول العربية​... هذا مصيري لاسرائيل ولكن أيضا لسحب البساط من تحت أقدام ​ايران​ وحزب الله بالنسبة لخصوم محور المقاومة، يراد لجزء من لبنان أن يلعب هذا الدور حتى ولو تناقض دوره مع مواقف رئيس الجمهورية ومحور المقاومة.

رابعاً-مع مشارفة ​الحرب السورية​ على الإنتهاء لصالح محور المقاومة. يتطلب الحل السياسي توافقا تاما بين أميركا وروسيا. تريد واشنطن أمرا أساسيا للسماح لروسيا بتعزيز دورها في ​سوريا​. هذا الدور هو إبعاد إيران وحزب الله عن منطقة الجنوب والجنوب الغربي لسوريا، على أن يأتي ذلك في سياق صفقة دولية تقضي بإقامة خطّ متصل من مصر الى ​الجولان​ فحدود ​الاردن​ الى لبنان، يصار فيه الى نوع من ابعاد القوات عن جانبي الحدود... ولا بد اذا من اضعاف حزب الله في لبنان للقبول بهكذا صفقة اذا ما قررت روسيا يوما ما المضي بها. لن يتحقق ذلك إِلَّا باختراق البيئة اللبنانية لتعزيز النقمة ضدّ الحزب.

خامساً-لا شك أن لبنان الحالي إكتوى بنار اسرائيل مرارا. لا شك أيضا ان أقصى ما فعلته بعض الاطراف (مثلا جيش لحد في الجنوب) انتهى برمي من تعامل مع اسرائيل في زمن النسيان والذل... تعرف اسرائيل ذلك وتدرك انها ما عادت قادرة على تجنيد قوة كبيرة او طرف او حزب لصالحها في لبنان، لكنها كبيرة القلق حيال تطور القوة الصاروخية والقتالية عند حزب الله وحلفائه، فهل يعقل أن تتفرج على الحزب وهو يستعيد شعبية واسعة في لبنان ويزيد في قلقها ويصبح عماد محور يمتد من بيروت الى بغداد؟.

سادساً-إنّ الدور اللافت الذي لعبه حزب الله في تطويق ذيول قضية رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ في ​السعودية​، ساهم في رفع منسوب شعبيته الداخلية حتى داخل ​الطائفة السنية​ الكريمة. لا شكّ أنّ عدواً متآمراً على لبنان كاسرائيل يريد القيام بأي شيء لاعادة اضعاف هذه الشعبية، والعمل على استعادة الفتنة الشيعية-السنية المتهاوية في المنطقة بعد القضاء على داعش...

في هذه اللحظة بالذات اندلعت قضية زياد عيتاني وغيرها.لا بد هنا من التنويه الكبير بهذا المستوى العالي في الأداء الامني اللبناني لتفكيك خلايا كثيرة في الآونة الاخيرة.

ليست القضية إذاً، قضية زياد عيتاني هنا وغيره هناك، هذا ورغم خطورة ما حصل؛ يبقى تفصيلاً في المشروع الأكبر والعنوان العريض الذي مفاده: انّ اسرائيل كانت وستبقى عدوة لبنان. إذا كانت مصلحة بعض أطراف المنطقة حالياً تحويل الأنظار عن هذا العدو وتسليط الضوء على دور ايران؛ فهذا شأنها، أما نحن في لبنان فيجب ان نبقى يقظين، لأنّ العدوان الإسرائيلي قائم بأوجه شتّى.

نحن أمام عدو شرس ومجرم. والعدوّ ليس وجهة نظر. لعلّ الرئيس ​ميشال عون​ يقدّم اليوم نموذجاً طليعياً لرئيس عربي لا يريد ولا يقبل نسيان العدوّ الحقيقي للغرق في أتون عدوّ وهمي. من الجهل أن نعيش تربصاً ببعضنا البعض لصالح هذا الطرف أو ذاك؛ في وقتٍ، العدّو متربّص بِنَا في كلّ لحظة.