لو كان ​لبنان​ُ جسدًا صغيرًا لاعتراه حتمًا زكامٌ سياسي، ولسأل أمّه، بعدما حُسِمت هوية “أمّ الصبي”: أألجأ الى “الحكيم” المغضوب عليه “مستقبليًا”، أم أجدُ ترياقي في بعبدا. حتمًا ستجيب الأمُّ، متى كانت صالحة: في بعبدا مضادٌ فعّالٌ للالتهابات والفيروسات الآتية من شبه ​الجزيرة​ العربية والمنقولة الى لبنان عبر أجسادٍ مناعتُها الوطنية ضعيفة لا بل معدومة. حينها لن يكون متوقعًا من الجسد الصغير (لبنان) أن يفهمَ ما عنته الأم، ولكن يكفيه أن يصوّب نظرَه الى عيني رئيس حكومة بلاده الغارقتين في حسرة “الخيانة” ليفهم قصدَ الوالدة عن انتفاء المناعة، لا السياسية فحسب بل الإنسانية أيضًا.

لو كان لبنان جسدًا صغيرًا لاجتاحته الأوبئة المنتشرة في فضاءات الجوار، ولكان على الأمّ أن تثبت مجددًا أن “مقاومة” ابنها في ألف خير وأن جسده الذي ما أعفته شظايا حربٍ، ولا طيشُ رصاص، ولا آثار ألغام، ولا غضبُ إرهابٍ، قادرٌ على الصمود بفعل حصانةٍ توفّرت له من الأقربين المحبين الأوفياء.

لو كان لبنان جسدًا صغيرًا واهنًا كما يظنه “الجيران” الأقربون والأبعدون، لضربته “الذئبة الحمامية” لأن الذئاب فيه كثيرون، ولأن حماة ​الديار​ قلائل أما الباقون فإما حراسٌ شكليون ونواطير “هبات”، وإما خونة من فئة “القبيضة” أو العملاء.

لو كان لبنان جسدًا صغيرًا واهنًا لتناتشته الطفيليات المعوية التي تعيش في القناة الهضمية، خصوصًا أنّ بعضها لا يمكن هضمه من أكبر جهازٍ هضمي في الدولة. علمًا أن هذه الطفيليات تعيش في مفهومها الطبي العام على حساب غيرها، وتأكل من أرزاق غيرها، وتعتاش من أموال غيرها، لا بل تتسلق على أكتاف غيرها لتبقى هي.

في حالتنا اليوم، صالحةً تبدو أمُّ الصبي. صالحة حدّ أنها لا تفوّت لقاحًا لوليدها غير آبهةٍ ب​الآثار​ الجانبية. فهمت الأمُّ جيدًا، وهي تحاول من خلال مشاورات مع أبنائها، بأن تنقل إليهم العبرة: ذاك الجسدُ الصغير ما عافاه سوى دواء داخلي يتيم، غير متوفر في الأسواق الأميركية ولا الخليجية ولا الإيرانية ولا الفرنسية حتى. بل هو ترياقٌ من صنع أيادٍ لبنانيّة خالصة، من صنع وطني صرف، متوفر في مستوصف بعبدا كما في مستوصفَي ​عين التينة​ و​بيت الوسط​. ترياق اسمُه العلمي والشعبي والعاطفي: وحدة وطنية إنسانية، أمّا مفاعيله فشفاءاتٌ سريعة لأجسادٍ “ملطوشة” بمرض التبعية والولاء لغير الوطن الأول والأخير، ولأرواحٍ “خائنة” ظنّت لوهلةٍ أنّ رئيس البلاد سيبيع رئيس حكومته في سوق النِّخاسة أو قل في سوق البترودولار.

ربما بات لزامًا على هؤلاء “الأوصياء” على صحّة جسد الوطن، أو من نصّبوا أنفسهم “دكاترة” وجرّاحين يجرحون ولا يجترحون، يقصّون ولا يُقتصّ منهم، يعلّمون ولا يتعلّمون، يحاضرون ولا يحضرون، يتنافسون ولا ينفّسون (عن الشعب المريض)، أن يفهموا أنّ المعادلة الثلاثية ستنتصر على “دهونهم الثلاثية” القاتلة، وأن النأي بالنفس عن أمراض الآخرين يفترض أولًا النأي بالنفس عن أمراض أبناء الداخل التي ثبُت أن لا شفاء منها لأنها مزمنة.

الحمدُ للباري أن لبنان ليس جسدًا، ولو كان كذلك الحمدُ للباري أيضًا على وجود وعي وطنيٍّ ناشئ يستوطن ​قصر بعبدا​ ويبدو حتى الساعة مُعديًا على دروبِ شفاء ولو بطيء، لم يعد فيها أخيرًا للألزهايمر السياسي “الوقح” مكانٌ... أو مكانة!