منذ اللحظة الأولى التي أعلن فيها الرئيس ​سعد الحريري​ قرار الاستقالة المفاجئ تقاطعت المعلومات التي تشير إلى أنه كان قراراً سعودياً مباشراً يقع ضمن خطّين متوازيين. الأول داخلي سعودي «إصلاحي»، كما أريد تصويره لتزامنه مع اعتقال أمراء ورجال أعمال سعوديين، والثاني خارجي يتعلق بالضغط على ​حزب الله​ و​إيران​. وهي واقعة ضمن حسابات الكباش السعودي الإيراني ومفهوم المواجهة واحتساب النقاط قبل مفاوضات المنطقة الكاملة، خصوصاً بما يتعلق ب​اليمن​.

الحرب على اليمن هي أكثر ما يشكل ضغطاً اليوم على الأطراف كافة، خصوصاً أن تسارع حسم الوضع في سورية وتحضير المسرح الدبلوماسي والسياسي التفاوضي وأطرافه من دول أساسية ك​تركيا​ وإيران و​روسيا​ و​السعودية​ بما فيهم ممثلو المعارضة أو مباشرة صار أقرب من أي وقت مضى، مع تزايد إشارات احتمال أن يكون جنيف 8 المقبل أكثر إنتاجية، حسب مصدر سياسي مقرّب من القيادة السورية لـ «البناء»، بالرغم مما شاب محاولة المبعوث الأممي ستيفان ديمستورا جمع الأطراف اليوم في جنيف، وبالرغم من عراقيل تتمثل بعدم رضى الجهة السورية «النظام» المشاركة من دون إطلاق موقف واضح من التعاطي مع الجهة الرسمية للدولة السورية. وكلها أمور تزيد حسابات الربح والخسارة من الجهة السعودية تعقيداً. وبالعودة إلى اليمن، فإن استغلال قضية الحريري هي الأربح للضغط على إيران من أجل التوصل لحل مناسب يرضي السعوديين بما يتعلق بحكومة يمنية توقف الحرب على أساسها من دون أن تبدو الشروط السعودية مناسبة للحوثيين غير المستعدين للتنازل عن المشاركة بالسلطة. وعليه فإن استقرار ​لبنان​ الذي يعني الإيرانيين كثيراً وحكومته التي تمثل الشراكة الوحيدة غير المباشرة بين السعودية وايران هو كبش الفداء الذي يجب على الأطراف تحمّله من أجل الحضور الى طاولة التفاوض مع نيات التعديل والتطوير، انطلاقاً من أزمة في لبنان وأزمة في اليمن تتسارع الحلول وترسم على أساسهما.

الفشل السعودي في استخدام لبنان ورقة لتحريك الملف اليمني أخرج الحريري من دائرة الابتزاز، لكنه فرض على اجتماعات ​المعارضة السورية​ في الرياض، والتي كان من المفترض ان تتقدم خطوة نحو التقارب مع فكرة التفاوض بظل وجود الرئيس السوري وحكومة انتقالية بإشرافه، أرجعت الوفد خطوة الى الوراء. وهو الوفد الناطق باسم الرياض او المملكة بطبيعة الحال، والتي يستحيل ان تظهر أمام تنازلين متتالين الأول في عودة الحريري الى لبنان بضغط أوروبي هائل، والثاني القبول بشروط النظام السوري لحظة تقدّم ميداني واسع النطاق لصالحه.

يمكن الجزم أن تعرقل مساعي الحوار السوري «ظرفياً» يعود لإعادة خلط الاوراق الممتدة في الساحات المتتالية من لبنان و​العراق​ وسورية واليمن، لكن المصادر التي تتحدث عن استكمال المشهد السياسي والعملية التفاوضية في سوتشي ومسارات التفاوض الأخرى تؤكد ان العملية السياسية لن تتوقف، لكن المطلوب الذهاب الى جنيف هذه المرة بأعلى قدر من الإنتاجية وأن لا يكون هذا الاجتماع كسابقاته، لأن المأمول صار اكبر بعد معارك البوكمال الاستراتيجية. وبالتالي فإن الانتظار حتى انضاج المشهد سيد الموقف على الرغم من أن سورية لا تمانع في المشاركة بوقت اقرب إذا توفرت العناصر المناسبة.

يلفت هنا إلى أن الطرف السوري الحكومي الذي يبدو متقدماً على المعارضة بفعل العامل الميداني والعسكري صار قادراً على التأجيل والتأخير لتحسين الشروط باعتبار أن شيئاً لن يجبره اليوم على تقديم تنازلات لم يقدمها في أوضاع أسوأ ليصبح السؤال اليوم عن العودة الى ربط الملفات بالمنطقة آخذاً بعين الاعتبار الملف اللبناني والانتكاسة الأخيرة، فهل ما يجري يعني أن فصل الملف اللبناني عن الملفات الإقليمية قد وصل الى حائط مسدود؟ أم أن هناك ما قد يشير الى إمكانية إصلاح ما أفسدته هذه المرحلة؟

تتحدّث صحف أميركية عن علاقة متينة ما بين الأمير السعودي محمد بن سلمان وصهر الرئيس ​دونالد ترامب​ جاريد كوشنير. وتتحدّث المصادر عن أن هذه العلاقة تسبّبت بتشويه العلاقة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية، خصوصاً أنها المرة الثانية التي تقدم فيها الرياض على ارتجال من نوع قرارات مفصلية من دون معرفة المؤسسة الأميركية الكبرى متسلحة بدعم ​البيت الابيض​ والمتمثل بصهر الرئيس ترامب وترامب نفسه ولهذا السبب تم احضار رئيس الاركان الاميركي جون كيلي المعروف بالعلاقة السيئة بجاريد كوشنير، الذي وصفته صحيفة نيوزيوك الأميركية بأنه «قصّ جناحي كوشنر». فبدأ دوره يتضاءل، وسيغادر لإدارة الأمور في البيت الأبيض لصالح كيلي.

الإجراء هذا كفيل بوضع النقاط على الحروف بالعلاقة بين السعودية والولايات المتحدة، خصوصاً بعدما تبين أن مقاطعة قطر واستقالة الحريري أتيا من دون التنسيق مع المؤسسة الأميركية.

من المصادفات هنا، كان اول تعليق لوزير خارجية ايران ​محمد جواد ظريف​ لحظة الإعلان عن استقالة الحريري في رده على الصحافيين «اسألو جاريد كوشنير».

يبدو أن استقالة الحريري كانت جرس إنذار مباشر دوّى في البيت الأبيض للإسراع في إعادة هيكلة الصلاحيات والعلاقات وضبط نشاط ترامب وعائلته وإعادة تأطير نشاطه ضمن المؤسسة الأميركية الكبرى.