لن تمر محطة "احتجاز" رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ في ​السعودية​ مرورا" عاديا". "الشيخ سعد" والمحيطون به في تيار "المستقبل" يعرفون من الذي تخلى عنهم في لحظة حرجة، ويدركون ماهية الأدوار التحريضية التي مارسها "مقرّبون وحلفاء للحريري"، والتماهي السياسي – الاعلامي الكامل مع الخطاب التصعيدي الذي دأب على رفعه الوزير السعودي ​ثامر السبهان​. هؤلاء الحلفاء والمقربون انفسهم الطامحون للعب دور سياسي ريادي اعتقدوا أن نهاية سياسية تكتبها السعودية للحريري، ولا امكانية لعودته الى طبيعة دوره وعمله، "كأن ما تريده الرياض لرئيس الحكومة ال​لبنان​ية هو قدر لا قدرة لتغيير مساره". لم يرفع رئيس حزب "القوات" ​سمير جعجع​ صوته للمطالبة بحرية حليفه. مارس علنا" سياسة النأي بالنفس ازاء ما يحصل مع الحريري، رغم اطّلاعه على ظروف استدعائه والبلبلة التي دارت حينها، في ظل اتهامات داخلية "للحكيم" بأنه "حرّض مسبقا" الرياض على الشيخ سعد نتيجة التسوية الرئاسية والحكومية" التي أقامها الحريري في لبنان. كل ذلك، ترد عليه "القوات" وتضعه في خانة الحملة السياسية ضدها. لكن لماذا تتمدد المقاطعة بين الحريري وجعجع بعد عودة رئيس الحكومة من السعودية؟ اذا، هناك مشكلة جوهرية، تنسحب ايضا على العلاقة بين "القوات" و "الوطني الحر". الأهم ما هي تداعياتها؟

يقف لبنان على عتبة انتخابات نيابية مقبلة يؤكد المعنيون أنها حاصلة من دون تردد. لا سبيل لتأجيلها، لا بل ان طروحات الساعات الماضية دارت حول تقديم موعدها شهرين أو ثلاثة، من دون اتفاق على تلك الدعوات حتى الساعة، لأسباب تقنية أولا" تتعلق بجهوزية ​وزارة الداخلية​ لاجراء استحقاق وفق ​قانون النسبية​ الجديد، وثانيا" نتيجة استعداد القوى السياسية لخوض الانتخابات، فهي تحتاج لمساحة زمنية تحضيرية كافية تتجاوز الاربعة شهور. يبدو هنا رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ الأكثر اصرارا"على اجراء الانتخابات، وحين نسأله عن القانون الذي سيعتمد، وسط الحديث عن تعديلات، يجيب: ما كتب قد كتب. العنوان نفسه يتمسك به رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ ورئيس الحكومة وباقي القوى السياسية. هذا يعني أن اجراء الانتخابات أمر محسوم غير قابل للتفاوض ولا للتراجع والتمديد. لكن تداعيات أزمة الحريري العابرة خلطت أوراق التحالفات نتيجة تموضعات سياسية دارت حول: من تمسك برئيس الحكومة، ومن تخلى عنه في لحظة الشدّة.

انسجام جوهري جرى بين عون وبري وجنبلاط و "​حزب الله​" في مقاربة أزمة "الشيخ سعد" منذ لحظة احتجازه في الرياض. ما بين توزيع الأدوار السياسية والاعلامية في الداخل والخارج، ورفض الانصياع لعملية انهاء الحريري سياسيا"، نجح هذا الفريق باعادة رئيس الحكومة الى بلده ودوره، واستكمال عملية تحصين الاستقرار اللبناني بالاستشارات والاصرار على متابعة عمل المؤسسات الدستورية. فهل يشكل ذاك الانسجام مقدمة لنسج تحالف انتخابي خماسي يجمعهم بالحريري؟ ترفض القوى الاجابة على هذا السؤال، باعتبار أن الحديث عن التحالفات سابق لأوانه. لكن المعطيات السياسية تؤكد أن الأفرقاء أنفسهم خاضوا "معمودية الامتحان الصعب"، واستطاعوا أن يسجلوا محطة تاريخية ناصعة ستسردها روايات الأجيال، يأتي بعده التحالف أمرا" بديهيا". هذا التأكيد تعززه أسئلة منطقية: لماذا لا يجتمع الأفرقاء المعنيون بتحالف انتخابي؟ ما هي الموانع"؟ لا يوجد، لا سياسيا"، ولا انمائيا". ولنفترض أنهم سيخوضون الانتخابات في مواقع الخصومة لبعضهم، كيف ستكون الحملات الانتخابية: هل يجتمع خطاب "القوات" مع التيار "الوطني الحر" الآن، أكثر مما يجمع "البرتقالي" مع "الأزرق"؟ أو العكس أيضا". وهل تجتمع تلك التيارات مع بعضها في خطاب سياسي ضد "الثنائي الشيعي"؟ أيضا" غير منطقي، وغير ممكن. لكن بالمقابل تستطيع تلك القوى أن تنسجم في تحالفها ضد حلف آخر تقوده "القوات" مثلا"، بناء على ما جرى مع الحريري وما سبقه من نزاع حكومي حول التعيينات وملفات داخلية بالجملة.

مساحة زمنية كافية حتى موعد الانتخابات لصياغة تحالفات عريضة، قد تسبقها مصالحة بين التيار "الوطني الحر" و "المرده" صارت ظروف انضاجها أفضل مما سبق، في ظل استبعاد قيام النائب سليمان فرنجية بالتحالف مع "الحكيم" والتغريد خارج سرب حلفائه التقليديين الاستراتيجيين. فلننتظر.

التحالف الخماسي قد يكون مباشرة أو بطريقة غير مباشرة، لكنه قد يشمل ايضا" سلة تفاهمات أوسع، في لحظة تحولات اقليمية مفصلية ليست لصالح السياسة القواتية في لبنان.