أكد وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية ​بيار رفول​، في كلمة له خلال افتتاح مؤتمر وطني بعنوان "من ​لبنان​ 1920 نحو لبنان الرسالة 2020"، "أننا نبحث في التاريخ عن معالم المستقبل، وبين الجانبين ​مسيرة وطن​ نشأ من رغبة أبنائه في أن يكون لهم كيانهم الخاص، برغم تباين آرائهم في البداية بعد تفكك الامبراطورية العثمانية حول توسيع حدود لبنان واستعادة حدوده التاريخية، أو عدم توسيعها"، متسائلاً "لماذا علينا اليوم أن نستعيد هذا الجزء من تاريخنا؟ وماذا يمكن أن نتعلم منه من أجل صياغة رؤية للمستقبل نعيد فيها التركيز على المقومات الأساسية والحقيقية لدولة لبنان الحديثة"؟

واشار رفول الى أن "لا شك أن جلسات الحوار الممتدة على يومين، ستقارب رحلة مئة عام من عمر الوطن، من كل الزوايا والاضاءات، والأسماء اللامعة للمتحدثات والمتحدثين تؤشر إلى عمق ما سيطرح، وسأحاول من جهتي أن اقدم بعض الانطباعات التي تكونت لدي من مقاربة سريعة لعنوان هذا المؤتمر المحور"، موضحاً أنه "حين تأسس لبنان الكبير عام 1920، حدث شيء مهم للغاية، يجب أن يظل الخلاصة الأولى لكل نقاش حول الموضوع وللأجيال اللبنانية المتعاقبة، شيء اسمه ولادة الهوية اللبنانية، نعم، في تلك المرحلة، وبرغم أن القرار بتوسيع حدود لبنان كان بحاجة إلى موافقة دولية، إلا أن الخطوط اللبنانية المتجاذبة التي كان يشد بعضها صوب المتصرفية وبعضها الآخر صوب الذوبان في المحيط، تقاطعت في النهاية حول الرغبة بانشاء دولة محددة المعالم والهوية اسمها لبنان، تبلورت معالمها ​الدستور​ية والقانونية سريعا على يد ابنائها"، لافتاً الى أن "يومها ولد ما يمكن أن نسميه اليوم الاجماع الوطني الذي انتقل من مرحلة التذبذب إلى مرحلة الرسوخ، ثم الفخر والاعتزاز، ومن بعدها التمسك بنهائية الوطن اللبناني".

كما ذكر أن "الأمر المهم للغاية أيضا الذي يمكن استخلاصه، هو ما يمكن أن نسميه"الاجماع الطائفي، الذي شكل وقتها رافعة لفكرة دولة لبنان المستقلة، والجامعة لتوجهات فكرية، ودينية، وسياسية، وحضارية مختلفة"، معتبراً أن "الوجه البارز لهذا الاجماع كان تركيبة الوفد اللبناني الى مؤتمر فرساي، الذي كان برئاسة البطريرك الحويك، وعضوية ممثلين عن مختلف الطوائف اللبنانية، ومن هذا الاجماع الذي تشكل وقتها، ولد فيما بعد الميثاق الوطني، ليقول بعائلة لبنانية واحدة، تحمي التعدد والتنوع لا بل تتخذ منهما رسالة عيش مشترك تصلح نموذجا لإنسانية ممزقة بالصراعات، والعنف، والنزعات الانفصالية، والتقوقع، برغم الإحساس الزائف بأن العولمة محت الحدود والفروقات بين الشعوب والدول وجعلت من الأرض قرية كونية واحدة".

واعتبر رفول أن "لبنان الرسالة الذي ترعرع وتقوى ورسخ جذوره على امتداد القرن الأخير، برغم مخاض الولادة، والنكسات التي رافقت نموه، والشكوك العميقة التي انتابت البعض في خلال دورات العنف والتجاذبات الحادة التي فرقت أبناءه وطوائفه، هو لبنان الذي ينهض كل مرة أقوى من الكبوات، لأن الدروس صنعت لنتعلم منها، لا لنطمر رؤوسنا في رمال الأوهام والمصالح الشخصية والأنانيات. وأقولها بكل صراحة وواقعية، إن الأخطار التي هددت وتهدد في كل حين هذه الرسالة، ناتجة من طغيان المصالح الشخصية، وغياب المحاسبة، وحدة الفساد الذي نخر مفاصل الدولة وأضعف مؤسساتها".

كما شدد على "أننا في حاجة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى الدولة القوية التي تحمي رسالة الوطن عبر ترسيخ القانون والدستور مرجعية وحيدة، وتعزيز المؤسسات الضامنة لحقوق المواطنين وواجباتهم، وتنقية المسار الديموقراطي من الشوائب، ولجم الفساد والفاسدين، وترسيخ روح الشراكة الوطنية بالفعل لا بالقول، وصولا إلى الطموح الأكبر للكثير من اللبنانيين وهو العبور من دولة الطوائف الى دولة المواطنة حيث يتساوى جميع اللبنانيين أمام القوانين، ولا تتلطى المصالح الفردية بعباءة الأديان، محولة رسالة العيش المشترك الى ساحة لتقاسم المغانم، والاستقواء بالخارج على شريك الوطن، وحرف لبنان عن سكة السلام والاستقرار".

وشكر "باسم راعي هذا المؤتمر رئيس الجمهورية ​ميشال عون​، الذي كلفني فشرفني أن أمثله في حضور جلسته الافتتاحية، مؤسسة أديان التي شاءت استقراء العبر والدروس من مسيرة وطننا منذ نشوئه، وخصوصا في هذه المرحلة الدقيقة التي يتعرض فيها لبنان لارتدادات الصراعات الاقليمية والدولية التي تهز منطقة الشرق الأوسط بأسرها، للوصول الى رؤية يستعان بها لإعادة انتاج دولة لبنان الحديثة".

وختم بالقول أن "الدولة التي يتوق اليها اللبنانيون الذين كفروا بالتجاذبات المعيقة لأحلامهم وحياتهم الكريمة، الدولة التي تشكل مركزا لحوار الثقافات والأديان، فيعود لبنان كبيرا على قياس حضارته، وانفتاحه، وريادته العلمية والثقافية والديموقراطية في المنطقة، وطنا يستحق حاضرا أكثر أملا واشراقا، ومستقبلا يرفعه إلى صفوف أرقى دول العالم".

وتجدر الاشارة الى أنه شارك في المؤتمر، القائم بأعمال السفارة البابوية المونسنيور إيفان سانتوس، ممثل الأمين العام ل​جامعة الدول العربية​ أحمد أبو الغيط السفير عبد الرحمن الصلح، رئيسة "المبادرة الوطنية لمئوية لبنان الكبير" النائبة ​بهية الحريري​، وفي حضور ممثلي الطوائف الروحية والأجهزة الأمنية ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات التربوية والإعلامية وحشد من المهتمين.