يبدو أن المواجهة بين زعيم هيئة "تحرير الشام" ​أبو محمد الجولاني​ وقيادة تنظيم "القاعدة"، المتمثلة ب​أيمن الظواهري​، دخلت مرحلة جديدة، على ضوء التطورات التي تسيطر على الساحة السورية، لا سيما بعد التنسيق المعلن بين الهيئة والجانب التركي بعد الإعلان عن إقامة منطقة خفض تصعيد في ادلب.

في شهر نيسان، عمد الظواهري إلى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء فيما يتعلق بالعلاقة بين الجانبين، عبر تأكيده أن "البيعة عقد شرعي ملزم ويحرم نكثه"، في إشارة إلى ما كان قد أعلن عنه الجولاني، في شهر تموز من العام 2016، بالنسبة إلى فك الإرتباط بين جبهة "النصرة" وتنظيم "القاعدة".

في الشهر الماضي، ظهرت في الأوساط السورية مبادرة من نوع آخر، تمثلت بالدعوة إلى "الصلح"، التي كان قد أطلقها 8 منظّرين في "القاعدة"، بين "تحرير الشام" و"جيش الأحرار" والمبايعين لـ"القاعدة"، بالتزامن مع أنباء عن تأسيس فرع جديد للأخيرة على هذه الساحة، تحت مسمى "أنصار الفرقان في بلاد الشام"، بقيادة حمزة بن لادن نجل أسامة بن لادن، إلا أن هذه المبادرة لم تصل إلى نتيجة، حيث عمدت الهيئة، أول من أمس، إلى إعتقال متهمين بمناصرتهم "القاعدة"، أبرزهم إياد الطوباسي (المعروف باسم أبو جليبيب الأردني)، سامي العريدي، بالإضافة إلى القائد العسكري السابق في "النصرة" أبو همام السوري والنائب السابق ل​أبو مصعب الزرقاوي​ أبو القاسم الأردني.

في هذا السياق، تشير مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن الأسماء المذكورة كانت تخرج إلى ​الضوء​ في كل مرة يجري الحديث فيها عن توجه "القاعدة" إلى تشكيل فرع جديد لها على الساحة السورية، خصوصاً أنها كانت من بين الأسماء التي أعلنت إنشقاقها عن "النصرة" بعد إعلان الجولاني فك إرتباط الجبهة مع التنظيم.

وترى هذه المصادر أن عملية إعتقال هؤلاء تعني بشكل واضح لا لبس فيه أن "تحرير الشام" قررت مواجهة أي مشروع جديد لـ"القاعدة" على الساحة السورية، لافتة إلى أن هذا الأمر يظهر من خلال البيان الذي أصدرته لتوضيح حقيقة ما يحصل، حيث تحدثت عن أن المعتقلين كانوا منذ البداية ضد توجه الهيئة لتشكيل كيان سني، وسعوا لتقويض هذا البنيان وزعزعته عبر بث الفتن فيه.

وتؤكد المصادر نفسها أن الجولاني بدأ يشعر بالخطر على زعامته من هؤلاء الأشخاص، لا سيما بعد التوتر الذي شهدته الهيئة على خلفية تعاونه مع أنقرة، وتعتبر أن زعيم "تحرير الشام" قرر على ما يبدو إستباق أي تحرك قد يقدمون عليه عبر الذهاب إلى إعتقالهم، وتشير إلى أن الهيئة ماضية بالعمل على إبعاد شبهة العلاقة مع "القاعدة" عنها، خصوصاً أنها تدرك أن الوجهة المقبلة للتحالفات المتعددة ضد ​الإرهاب​ ستكون هي، مع إقتراب موعد القضاء على تنظيم "داعش" الذي سبق له أن سرق الأضواء منها، وهي تراهن على الجانب التركي في هذا المجال.

وعلى الرغم من تأكيد المصادر المطلعة أن الجولاني نجح في الخطوة الأولى، بعد أن تأكد من خطورة المشروع الذي تنوي القيام به قيادة "القاعدة"، لا تستبعد أن يكون هناك تداعيات لما قام به في المرحلة المقبلة، لا سيما أن التنظيم العالمي لا يزال يملك المزيد من أوراق القوة على الساحة السورية، وبالتالي هي قد تعمد إلى الرد على إعتقال الشخصيات المقربة منها بطريقة أو بأخرى، خصوصاً بعد إعلان "لواء الأقصى"، على لسان أحد الإعلاميين المقربين منه، عن استعداده لتأمين الحماية للملاحقين حال توجههم لمدينة سرمين، لكنها ترى أن السؤال الأساسي يكمن حول مدى إمكانية نجاح زعيم "تحرير الشام" في التسويق لنفسه، كي يقبض ثمن الخطوات التي قام بها منذ لحظة إعلانه الإنفصال عن "القاعدة" إلى اليوم.

في المحصلة، قرّر الجولاني ألاّ يخرج عن صمته وأن يستبدل الحوار مع مؤيدي "القاعدة" بأسلوب آخر، لكن هل ينجح في تحقيق أهدافه أم يصطدم بعقبات جديدة؟.