بعد نحو ستة اشهر على قطع اربع دول عربية بزعامة ​السعودية​ (​الامارات​ العربية المتحدة، و​البحرين​، ومصر) العلاقات مع قطر وفرض عقوبات قاسية بحقها، ها هي قطر تعود للجلوس حول الطاولة نفسها مع ثلاثة من مقاطعيها الخليجيين، وذلك بمبادرة كويتية. فقد سلمت ​الكويت​ دعوة الى قطر لحضور قمة دول ​مجلس التعاون الخليجي​ المتوقع عقدها في 5 و6 كانون الاول المقبل. هذا الامر إن دلّ على شيء، فعلى ان هناك بوادر حلحلة ما بدأت تلوح في الافق بالنسبة الى الازمة الخليجية، وان الكويت التي تولت وساطة بموافقة الاطراف كافة قد نجحت في احداث شرخ في حائط العزل المبني بين الدوحة ودول المقاطعة.

من المنطقي والبديهي القول ان الدعوة الكويتية لم تكن لتتم لولا موافقة سعودية اظهرت، على عكس ما يعتقد البعض، ان الازمة وصلت الى مكان لا رجعة فيه فإما الانقطاع الكامل والتام، واما العودة خطوة الى الوراء. من هنا يمكن فهم التراجع السعودي ومعه الثلاثي العربي، عن شروط عددها 13 كان تم وضعها للقبول بالتحاور مع القطريين، ولكن الدوحة رفضت تنفيذ اي شرط منها وهي ما زالت على موقفها، فما الذي تغيّر لموافقة الخليجيين على جلوسهم مع قطر على الطاولة نفسها؟.

لم يكن من الممكن للرياض وغيرها من الدول ان تتجاهل أهميّة مجلس التعاون الخليجي، ليس على صعيد السياسة الخارجية، انما في ما يختص بشؤون الدول الخليجية التي لها خصوصية معيّنة تفرض نفسها. وبالتالي، فإن الانقسام الذي ساد هذا المجلس في اسوأ ازمة يشهدها منذ انشائه العام 1981، بات يهدد بزعزعة اساساته، فيدمّر على رؤوس الدول الخليجية المشاركة فيه جميعاً، مع كل ما يعني ذلك من تفلّت للامور خارج اطار هذه الدول، وعدم قدرتها بالتالي على ضبط الاحداث والايقاع الذي يجب ان تسير عليه الامور من اجل الحفاظ على الكيان الخاص للدول الخليجية لتنظيم امورها.

قد يعتبر البعض ان عدم تنفيذ قطر للشروط التي وضعتها الدول المقاطعة لها، ورغم ذلك تلقيها دعوة للمشاركة في قمة دول مجلس التعاون، صفعة للدول الاربعة، ولكن وفق حسابات الربح والخسارة، من المؤكد ان السعودية والامارات والبحرين ترتاح اكثر الى محاولة اعادة التفاهم مع قطر، على ان تفتح الدوحة الباب امام الدخول ال​ايران​ي والتركي في الشؤون الخليجيّة، ومن قلب دولة خليجية تحديداً. وفي وقت تبذل هذه الدول كل ما في وسعها لمنع ايران من الاقتراب جغرافياً من حدودها، ولن تستسيغ تواجدها، ولو بشكل محدود، في دولة خليجية اضافة الى تواجد عسكري تركي، يما يقوّض هيبة مجلس التعاون ويجعل مقاومة النفوذ الايراني والتركي في كل ما يتعلق بالدول الخليجية، اكبر بكثير.

من المبكر القول ان القمّة المرتقبة ستسفر عن عودة المياه الى مجاريها بين دول المجلس، ولكن من غير المبالغ فيه القول ان عناصر الايجابية وتقبّل "الخسارة" مع قطر يبقى افضل بكثير من مواجهة داخل البيت مع ايران و​تركيا​، كما ان الكويت لن تترك السعودية والامارات والبحرين تعاني من اي احراج، فالوساطة التي تقوم بها ستأخذ في الاعتبار دون شك الحفاظ على "مكانة" هذه الدول، وعدم التشكيك بقدراتها وأحقيتها في الحفاظ على الكيان الخليجي ضمن اطاره الموضوع منذ اكثر من ثلاثة عقود من الزمن. ولكن، في المقابل، لن تتمكن قطر من التملّص من علاقاتها مع ايران وتركيا بهذه السهولة، وقد وقف البلدان الى جانبها في عزّ الازمة، انما هذه الامور غالباً ما يتم حلها بطرق دبلوماسية حيث ستبقى قطر على علاقة جيدة معهما دون شك.

كل الانظار العربية عموماً والخليجية خصوصاً، ستتجه الى الكويت الاسبوع المقبل، في انتظار ما ستسفر عنه القمة الخليجية، التي من المقرر ان تخطو الخطوة الاولى نحو تقارب في ما بينها.