لفت رئيس كتلة "المتسقبل" النيابية ​فؤاد السنيورة​، إلى أنّ "منذ ستين عاماً، نقف أجيالاً تلو أجيال من على هذا المنبر، لنتحدّث عن شؤون الثقافة العربية وبما يتّصل أيضاً بالثقافة العالمية الّتي تعرضُها ​بيروت​، وكذلك يعرضُها ناشروها وكُتّابها ومثقّفوها، ويعرضها الكُتّاب والمثقفون والناشرون العرب"، مشيراً إلى "أنّنا كنّا نمتدح بيروت باعتبارها أمّ الشرائع، ولوجود أول مدرسة للحقوق فيها، ومن جوارها أنشئت أوّل مطبعة في الشرق"، منوّهاً إلى "أنّنا منذ قُرابة القرن ونصف القرن، نذكر لبيروت جامعاتها ومدارسها والنهوض الثقافي فيها المستند إلى أجواء الإنفتاح والحريات الّتي تتميّز بها والّتي من أهمّ مظاهرها هذه الكثرة المستنيرة من مثقفيها ومفكريها، الّذين تُنشر لهم دور نشر بالعربية والفرنسية والإنجليزية ولغات حية أُخرى".

وركّز السنيورة، في كلمة له في افتتاح المعرض العربي الدولي للكتاب في البيال، ممثّلاً رئيس مجلس الوزراء ​سعد الحريري​، على أنّ "بيروت صنعت النادي الثقافي العربي، وصنع هذا النادي العريق ​معرض الكتاب​ العربي والدولي الّذي أصبح يؤازره في ذلك إتحاد الناشرين"، موضحاً أنّه "عندما نهض النادي الثقافي العربي بأعباء معرض الكتاب في الخمسينات من القرن الماضي، فإنّ ذلك كان بُشرى للكثير من اللبنانيين والعرب بالنهوض الكبير الّذي يعتزمُ اللبنانيون اجتراحَه والسيرَ فيه لاستنهاض الوطن والأمة"، مبيّناً أنّ "بناء على ذلك، فقد أقبلت سائر فئات اللبنانيين والعرب على التنافس البنّاء في بيروت بالحرية والتقدم والإبداع والمثابرة. وها نحن وبعد عقود عدّة حافلة بالأحداث السارّة في بعض منها والمُحزنة في بعضها الآخر، مازلنا صامدين ونُصِرّ على الإستمرار على مسارات تحقيق النهوض الثقافي اللبناني والعربي".

وشدّد أنّ "هناك مشكلات عدّة تواجه الثقافة العربية والكتاب العربي. ومن أهمّ تلك المشكلات القلّة النسبية للقرّاء، وصعوبات تصدير الكتاب وانتقاله بين الأسواق والبلدان العربية، وقلّة الإستثمارات في تطوير صناعة الكتاب"، مركّزاً على أنّ "المشكلتين الأكبر هما: أوّلاً، إستيلاء وسائل التواصل الإجتماعي على اهتمامات شبابنا وشاباتنا، بحيث تراجعت أقدار الكتاب الورقي وازداد قراؤه قلة. وثانياً، عدم ظهور النهوض العربي الكافي في ظلّ الأزمات والنزاعات والصراعات المتناسلة في أكثر من بلد عربي، والّتي تَحرِفنا عمّا ينبغي أن تكون عليه بوصلة اهتماماتنا، وبوصلة مصالحنا المستقبلية، وتمنعُنا من الإستجابة المقدّرة في تحقيق التلاؤم مع حركة العالم، ومواكبة متطلباته، ومواجهة إرغاماته".

وأكّد السنيورة أنّ "وسائل التواصل الإجتماعي لا بدّ من التلاؤم معها بإكسابها مستوى ثقافيّاً معقولاً، والخروج بالتدريج من حالة الفضول، رغم أهميّة كونها مجالاً واسعاً للتسلية وتحفل بالإمكانيات الّتي تتيحها الضرورة لاستعمالها، إلى ما يؤدي إلى استنهاضٍ أفعل للجهود للمشاركة في صنع ما هو مفيد بشكل أكبر ثقافيّاً ومعرفيّاً وعلميّاً لمجتمعاتنا واقتصاداتنا ولأجيالنا الشابة".

وبيّن أنّ "في المِحَن، ينبغي العودةُ إلى المبادئ والأسس والمرتكزات، إلى الملح الّذي نملِّحُ به خُبزنا، حيث ليس لنا في مواجهتها على المستوى العربي إلاّ التأكيد على فكرة ​العروبة​ الديمقراطية الجامعة والمستنيرة والمتقبلة والمحتضنة للآخر المختلف، ولو اختلف هذا الآخر بالمعتقد والعرق والفكر والدين والمذهب".