نعم، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يفقد العرش "المنتَظَر". تماماً كما حصَل مع وزيرة الخارجية الأميركية السابقة ​هيلاري كلينتون​ في الانتخابات الرئاسية الأميركية. لا أحد ينسى أنّ أثناء المرحلة التحضيرية لتلك الإنتخابات صبّ الإعلام الأميركي، ونقلاً عنه، الإعلام العالمي والعربي خصوصاً؛ تركيزه على إحصائيات أفادت عن تقدّم كلينتون على خصمها رجل الأعمال الميلياردير ​دونالد ترامب​. فاز الأخير وكان فوزه مفاجأة صاعقة للبعض وفاضحاً لفشل تلك الإحصائيات ومعها فشل عدّة لوبيات دعمت كلينتون لا سيّما اللوبي الصهيوني.

ماذا يحصل مع ولي العهد محمد بن سلمان؟

أوّلاً: وضعَ الأمير وليّ العهد خطّة إصلاحية للمملكة العربية ​السعودية​ ضمّنها ثورة على التقاليد و المعتقدات والعادات الإنغلاقية التي لم تعد تتماهى مع تطوّر العصر؛ وسمّى خطته الطويلة الأمد "رؤية2030".

أعلن عن خطته في حملة إعلامية واسعة هّلل لها جيل الشباب السعودي ملتمساً من الأمير الشاب الخلاص لرفع الحياة الإجتماعية درجات قُدماً. وقف أمامه معارضوه عاجزين عن انتقاد خطّته بالحجّة المقنعة، لما تناولته من إصلاحات مرجوة من المجتمع السعودي التوّاق إلى حريّة وانفتاح أكبر. كسب بن سلمان رضى الشعب أوّلاً.

ثانياً: ما سبق ذكره هو في الإعلام؛ أما في الواقع انقسمت عائلة آل سعود المالكة. حلّ الإنقسام على مؤيدي ولي العهد الأساسي محمد بن نايف ومؤيديه من القواعد الشعبية والأمراء لا سيما ممن هم من الجيل الثاني وكبار المسؤولين. بقي الأمر بعيدا عن الإعلام إِلَّا على بعض المواقع الإلكترونية لمغرّدين فضحوا ما يحصل في كواليس المملكة. بقيت تغريدات هؤلاء دون أهمية للبعض، ولم تلاقِ الدعم الإعلامي لها. حتى بانت خطورتها إبّان ليل الرابع والخامس من الشهر المنصرم حين شنّ محمد بن سلمان حملة القضاء على الفساد واعتقل أمراء أنسباء له وكبار المسؤولين ورجال أعمال جرى احتجازهم في فندق "ريتز كارلتون" الذي تحوّل إلى معتقل. اشتدّ الإنقسام. كسب بن سلمان رضى رؤساء بعض الدول.

ثالثاً: يغيب عن بعض المحلّلين أنّ لهؤلاء الأمراء ورجال الأعمال المحتجزين علاقات دولية واسعة تتحرّك في كلّ صوب. الحركة الدولية لم تتناول فقط حالة رئيس الحكومة اللبنانية ​سعد الحريري​ الذي كان محتجزاً في السعودية (كما أكّد على احتجازه رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ​ميشال عون​ و سفراء غربيون)؛ بل الحركة والضغوط الدولية تتتناول أكثر من قضية. يرفض بعض الأمراء الضغوطات الآيلة الى إلزامهم على التنازل عن ديونهم المستحقة تجاه المملكة أو على أرباح لشركاتهم. تشير المعطيات أن الأمير الوليد بن طلال يرفض التهم الموجهة إليه ويطالب بلجنة خبراء تحقيق دولية لتحقق بمسألة توقيفه. لم تُسفر تلك التوقيفات عن النتائج السريعة المرجوة لا سيما أنه يتم التداول أن مصارف سويسريّة أبلغت المملكة رفضها تجميد بعض الحسابات العائدة الى أمراء معتقلين على مبدأ أنّها مكونة من أرباح تجارية قديمة مبررة.

فشل خطة استقالة واحتجاز الحريري والنتائج التي كانت مرسومة للبنان كنتيجة لها؛ يتبعها إخفاقات في ملفات بعض المحتجزين قد تظهر للعلن قريباً محدثة صدمة. يفقد بن سلمان الدعم الدولي لخطته الإصلاحية.

رابعاً: تُشير بعض المعطيات إلى أن قضيّة حملة الإعتقالات التي قادها ولي العهد من حيث التوقيت والشكل والأسلوب والنتائج، قد تتحوَّل إلى أزمة حقيقية له على الصعيد الدولي، لا سيما من المنظمات الداعمة لحقوق الإنسان، وذلك عند أوَّل تصريح فاضح يصدر أو يُسرّب لأحد المحتجزين البارزين كالأمير الوليد بن طلال، الذي دعم عددا كبيرا من المؤسسات والجمعيات الناشطة بمجال حقوق الإنسان.

إن حملة اعتقالات الأمراء سبقها زجّ لمعارضين ونشطاء بالمجتمع المدني في السجون. تم اجتثاث الجمعيات الناشطة بمجال حقوق الإنسان واعُقل العديد حتى أن بعضهم من القاصرين.

ماذا سيكون موقف بعض الرؤساء الأجانب عندها؟ كيف الإستمرار في دعمه لولاية العهد وهم دعاة الديمقراطية وحُمَاة الإنسان؟.

خامساً: بدأ ​البيت الأبيض​ يتنصّل من سياسة وسلوكيات بن سلمان. نُقل عن وزير الخارجية الأميركي ​ريكس تيلرسون​ الى وكالة بلومبيرغ الأميركية أنه قلق من المحادثات الحاصلة بين ولي العهد وصهر الرئيس الأميركي جاويد كوشنير، وتخوفه من ارتداد تلك المحادثات بنتائج عكسية قد تدفع المنطقة الى الفوضى.

أنكر كوشنير معرفته بمسألة حملة الفساد واحتجاز الحريري. إن ذلك يدل على أن سياسة بن سلمان حتى الساعة كان لها بالفعل نتائج عكسية. وعودة الحريري الى لبنان خير مثال .

سادساً: تواكب الدعم الإعلامي السعودي والعربي لوليّ العهد وسائل إعلام غربية روّجت وتروج له إيجاباً بايعاز من أصحاب القرار فيها لا سيما مموليها.

على مواقع التواصل الإجتماعي ظهرت صفحات داعمة لشخصه بلغات عدّة. أمّا التصاريح السياسية السعودية الأبرز فصدرت عن وزراء تمّ تعيينهم من أعمار شبابية وهم من الناشطين على مواقع الإنترنت وفي المؤتمرات الدولية الأجنبية، فنجحوا في نشر صورة السياسة السعودية الحديثة كإصلاحية محلياً، ومنقذة إقليميا لمحاربتها "​الإرهاب​" و"التمدّد الإيراني". عناوين وأساليب نال بها ولي العهد رضى الرأي العام الإقليمي والدولي ثانياً .

استغلّ ولي العهد ذلك بعد فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية ليشدّ أواصر التحالف السعودي-الأميركي، الذي كان قد اهتزّ على عهد الرئيس الأميركي السابق ​باراك اوباما​. كثف مشاوراته مع ​اسرائيل​، الذي أوعز الى لوبياته الإعلامية بدعم صورة ولي العهد. فها هي وكالة "بلومبيرغ" العالمية تختاره في المرتبة الثالثة في قائمة الخمسين رجل الأكثر تأثيرا في العالم .

إن سياسة السعودية في المملكة نفسها وفي ​سوريا​ و​العراق​ و​اليمن​ ولبنان وتحالفاتها ترتدّ عكسيا على مصالح حلفائها ولاسيما على مصالح الادارة الأميركية في المنطقة. الاتفاق الروسي-الأميركي بشأن سوريا استبعد كليا الحلول السعودية المقترحة، لا سيما بشأن الاتفاق على بقاء الرئيس السوري بشّأر الأسد والتضييق على بعض الجماعات المسلحة غير داعش تمهيدا لإيجاد حلول قريبة لها. أما قطر فبددت بخروجها من ازمتها جدوى سياسة الضغوط والحصار.

هل سيبقى بن سلمان ولياً للعهد فتنقذه صفقات المليارات التي عقدها مع ترامب خلال زيارته للسعودية ومحادثاته الشبابية؟.

إن ما تتكبده الادارة الأميركية في المنطقة من مليارات يفوق بكثير المليارات "المنتظرة" مع ولاية العهد الجديدة، تؤكّده دراسات مالية ستعرض للكونغرس وقد تبدّل قرارات عدّة. فقاعات الإعلام ستكشف مرة أخرى فشل اللوبيات الصهيونية وحلفائها في ادارة مصير الشخصيات السياسية "الأكثر تأثيراً" والسياسات الخارجية للدول "الأكثر قوة".

بناء على كل ماتقدّم، فقد بات من شبه المستحيل ان يكمل بن سلمان طريقه صوب العرش دون مفاجآت قد تكون خطيرة جدا عليه وعلى السعودية.