دار في الايام الماضية نقاش سياسي حول موعد الانتخابات النيابية، وتراوحت المواقف بين وجوب تقريب موعد الاستحقاق للاستفادة من الاجواء السياسية الايجابية التي رافقت عودة رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ من ​السعودية​ الى ​لبنان​، وبين ضرورة ترسيخ موعد الانتخابات في آيار. كان أكثر المؤيدين لهذا الطرح التياران "الازرق" و"البرتقالي" لتوظيف التعاطف الشعبي مع "الشيخ سعد" في صناديق الاقتراع. فاتح الحريري رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ بامكانية تقديم الموعد الى شهر شباط المقبل. أبدى بري ايجابية في التعاطي مع الطرح، لكنه سأل عن جهوزية ​وزارة الداخلية والبلديات​، فجاء جواب الوزير ​نهاد المشنوق​ "بعدم القدرة على اجراء الاستحقاق قبل 25 آذار". اطّلعت القوى على حيثيات وزارة الداخلية، بينما كان المعنيون في الوزارة يفنّدون "على الورق" وجوب القيام بتعديلات تطال أكثر من أربعة مواد في قانون الانتخابات. هذا يحتّم جلسة نيابية للتعديل، مع امكانية أن ترافقها اقتراحات ومزايدات سياسية مفتوحة من أجل تقريب الموعد لشهر ونصف الشهر لا أكثر. جميع تلك المعطيات أدّت لاتخاذ قرار اجراء الانتخابات في السادس من آيار من دون تقديم ولا تأجيل.

على هذا الاساس تنصرف القوى السياسية لاستطلاع مشهد التحالفات الانتخابية. الكل يستعد على قاعدة الجهوزية العالية، واطمئنان القوى الوازنة شعبيا الى قدرتها على تحقيق نتائج ذاتية مشرّفة استنادا الى صيغة النسبية. لكن ذلك لا يمنع من محاولات رصّ الصفوف وتوسيع مساحة التحالفات على قاعدة أفرزتها محنة الحريري الاخيرة. حتى الساعة لم يرصد أي توجه ايجابي في العلاقة بين "القوات" و"المستقبل". لكن أجواء معراب تصر على مغازلة الحريري وابداء المرونة التي ظهّرتها في جلسة ​مجلس الوزراء​ الأخيرة والموافقة من دون تحفظ ولا مشاكسة على بيان "النأي بالنفس". أدرك "الحكيم" أنّ الحريري يحظى بغطاء دولي واسع ووازن يتخطى قدرة الرياض على اعتراض خطواته أو تغيير معادلاته السياسية اللبنانية. من هنا جاءت محاولة "القوات" استرضاء الحريري واللحاق بخطواته والسعي لترتيب العلاقة معه. لكن تعاطي "المستقبل" مع "القوات" يؤكد "الغضب الساطع" عند الحريري. كل ذلك يعزّز من مشروع التحالف الانتخابي بين الحريري وخصوم "القوات".

بالمقابل، كل الاجواء تشير الى ارتياح "​التيار الوطني الحر​" لحسن سير العلاقة مع "المستقبل" و"الثنائي الشيعي"، ما يضمن أرضيّة سياسيّة صالحة لبتّ تحالف يجمع تلك القوى مع الحزب "التقدمي الاشتراكي" في مناطق نفوذه السياسي. المطّلعون يرفضون البت بالأمر واستباق التوافق على المقاعد التي تكمن فيها شياطين التفاصيل. أيضا" تراهن قوى في "​14 آذار​" على عدم حصول توافق بين "الخماسي" لأسباب اقليمية. ما يعني في حسابات قوى " 14 آذار" أن الخيارات لا تزال مفتوحة. فهل نشهد تحالفات موضعيّة تختلف بين دائرة وأخرى؟ الجواب عند "14 آذار" يأتي: لم لا؟! قد تحصل مفاجآت، "لكنها مضبوطة".

يتم استحضار حديث عن أكثر من سيناريو، كأن يجتمع "المستقبل" و"المردة" في الشمال، مقابل جمع "المستقبل" و"الوطني الحر" و"الثنائي الشيعي" في زحلة والبقاع الغربي. أو يجتمع "المستقبل" و"القوات" في بعلبك-الهرمل وصيدا-جزّين. أو يتحالف "التقدمي" و"الوطني الحر" و"الثنائي الشيعي" في بعبدا، مقابل تحالف "القوات" و"التقدمي" و"المستقبل" في الشوف. كلها خيارات قابلة للدرس، خلال الاسابيع المقبلة، لكن حصولها رهن ترتيب العلاقة بين الحريري وجعجع، وهو يبدو مستبعدا" حتى الساعة. لن تستطيع الرياض اجبار "الشيخ سعد" على الابتعاد عن "العونيين" ولا الاقتراب من "القواتيين". كل تصرفات الحريري في الاسابيع الماضية توحي أنه صار أكثر تحررا من القيود الاقليمية. بات "الشيخ سعد" يتصرّف على اساس مصلحة لبنانيّة صرفة تفرض عليه تقريب المسافات بينه وبين القوى التي لازمته في محنته، ودافعت عن وجوده السياسي زعيما ورئيسا للحكومة. يستند الحريري عمليا الى دعم شعبي مفتوح، وتبنٍّ لخطابه السياسي وتوجهاته الداخلية. سيتم ترجمة ذلك في الانتخابات المقبلة في ايار.