وسط حملة الإدانات والشجب الواسعة، على المستويين الإقليمي والدولي، لقرار اعتراف الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ ب​القدس​ عاصمة ل​إسرائيل​، لم يتأخر تعليق أمين عام "​حزب الله​" السيد حسن نصرالله المنتظر على هذا القرار، في خطاب هادئ لم يعمد فيه إلى إطلاق تهديدات نارية، بل إلى وضع خارطة طريق لتحويل التهديد إلى فرصة.

على هذا الصعيد، تعمّد السيد نصرالله، في بداية خطابه، وضع القرار في سياقه الطبيعي، بعد أن وصفه بـ"وعد بلفور ثان"، عبر تحميل المسؤولية للولايات المتحدة ورئيسها دونالد ترامب، محذراً من أننا "قد نشهد ظاهرة استيطان كبيرة وستتسع القدس أكثر نحو ​الضفة الغربية​ تحت مشروع القدس الكبرى"، كي لا يعتبر البعض أن الأمر عادي لا يستحق أكثر من خطابات الإدانة المكررة.

بعد ذلك، تعمّد السيد نصرالله التركيز على عدة نقاط أساسية ينبغي التوقف عندها:

-التأكيد على أن القدس محور وجوهر القضية ال​فلسطين​ية، وبإخراجها منها لا يبق منها شيء، واضعاً علامات استفهام كبيرة حول مصير الضفة الغربية و​الجولان​ و​مزارع شبعا​ بعد الذي حصل، لا سيما أن من تجرأ على القدس بما تحمله من قيمة معنوية عند العرب والمسلمين لا يتردد في الاستيلاء على أماكن أخرى.

-تعمد السيد نصرالله إرسال رسالة واضحة إلى ​الدول العربية​ والإسلامية، مفادها بأن ​الولايات المتحدة​ لا تعطي أي قيمة لها، خصوصاً أن الأخيرة عبرت في الساعات الماضية، ما قبل الإعلان عن القرار وما بعده، عن رفضها له من دون أن يغير ذلك في "وعد" ترامب، الذي كان قد قطعه خلال حملته الانتخابية.

-التشدد على أهمية التضامن الشعبي والرسمي مع فلسطين في مواجهة هذا العدوان، بمختلف الوسائل الممكنة، من التعليق على مواقع التواصل الاجتماعي إلى البيانات واللقاءات السياسية وصولاً إلى التظاهرات، خصوصاً أنه لم يتأخر في الدعوة إلى تظاهرة يوم الاثنين المقبل في ​الضاحية الجنوبية​.

-تحديد السقف الذي ينبغي التعامل تحته مع هذا العدوان عبر العناوين التالية: الدعوة إلى استدعاء السفراء الأميركيين في العالمين العربي والإسلامي وإبلاغهم احتجاجاً رسمياً على هذه الخطوة، ووقف كل إجراءات التطبيع مع ​تل أبيب​ لا سيما من جانب ​الدول الخليجية​، رفضا لعودة إلى مفاوضات السلام قبل تراجع ترامب عن قرار اعتبارالقدس عاصمة لإسرائيل، صدور قرارملزم للدول العربية والإسلامية يعتبر القدس عاصمة أبدية لفلسطين وغير قابلة للتفاوض.

وفي حين رأى أمين عام "حزب الله" أن ​الانتفاضة الفلسطينية​ الجديدة وتصعيد العمل العسكري هو أخطر رد فلسطيني على القرار الأميركي، داعياً إلى تقديم الدعم المالي والتسليحي له، يمكن القول أن الخطوات التي دعا الدول العربية والإسلامية، على المستوى السياسي، إلى الذهاب لها هي أقل الممكن، لا سيما أن الخطوة الأميركية خطيرة جداً، ولكن هل تجرؤ تلك الدول على الالتزام بها، لا سيما أن العقود السابقة غير مشجعة على هذا الصعيد؟.

في هذا السياق، يمكن القول أن السيد نصرالله راهن على العقلية الأميركية في الحكم، التي تعتمد الواقعية وتبحث دائماً عن مصالحها، في وضع خارطة طريق الرد على قرار ترامب، انطلاقاً من أن لديها الكثير من المصالح التي تجمعها مع الدول العربية والإسلامية التي لا تستطيع المغامرة بها في حال وجدت ردة فعل قوية وحقيقية على هذه الخطوة.

في المحصلة، هذا هو سقف المواجهة المنطقي الذي حدده السيد نصرالله في خطابه اليوم، لكن هل سيلقى تجاوباً مع الدعوات التي أطلقها من قبل الأنظمة العربي والإسلامية في الأيام المقبلة لتحويل الخطر إلى فرصة؟.