أيام قليلة فصلت بين خطاب أمين عام "​حزب الله​" السيد حسن نصرالله، الذي تناول قرار الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ نقل السفارة الأميركية من ​تل أبيب​ إلى ​القدس​، وخطابه الثاني في ختام التظاهرة التي نظمها الحزب في ​الضاحية الجنوبية​ نصرة للقدس، لكن الفارق في النبرة بينهما واضح.

في الخطاب الأول، حدّد السيد نصرالله السقف السياسي والشعبي في التعاطي مع هذا "العدوان" الجديد، الذي لا يجوز تجاوزه بأي شكل من الأشكال، لكن في الخطاب الثاني تحدّث بلغة الواثق عن استراتيجية المقاومة، التي من المفترض أن تقود إلى الانتصار.

في هذا السياق، ينبغي التوقف عند بعض النقاط التي انطلق منها أمين عام "حزب الله" في خطابه، حيث شدد على أن الخطوة الأميركية ستكون بداية النهاية ل​إسرائيل​، مجدداً العهد بمواجهة هذا الاعتداء حتى النصر أو الشهادة، من دون تجاهل العودة إلى الوقائع السياسية التي تلت هذا القرار، "الذي بدا (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب بعده معزولاً ووحيداً"، نظراً إلى أن أي دولة لم تبادر إلى التجاوب معه.

انطلاقاً من ذلك، شدد السيد نصرالله على أهمية الاستمرار بالتحركات الجماهيرية التي تجتاح العديد من دول العالم، وعلى مطالبة الحكومات العربية والإسلامية بقطع علاقاتها معها، لتكون حاجزاً في منع المزيد من الدول من الذهاب نحو خيار التطبيع مع تل أبيب، خصوصاً بعد الزيارة التي قام بها وفد بحريني إلى إسرائيل.

بالانتقال إلى الخطوط العريضة لاستراتيجية حزب الله في المرحلة المقبلة، من الضروري التركيز على تشديد السيد نصرالله على أن الفلسطينيين يقررون بأنفسهم ماذا عليهم أن يفعلوا، حيث ترك لهم هامش الحرية في اتخاذ القرار المستقل المناسب كي لا يخرج البعض ليحرّض من وراء ذلك، إلا أنه في المقابل منحهم الأمان بالتأكيد على تحمل الحزب المسؤولية معهم، ودعاهم إلى الانتفاضة الثالثة على كامل الأراضي الفلسطينية.

في هذا الإطار، جاءت الرسالة الأقوى في الخطاب عبر الإعلان عن أن محور شارف على إنهاء معاركه في الاقليم، التي كان المحور المقابل يراهن على غرقه فيها، عبر إشعال نيران الفتنة المذهبية على مستوى المنطقة، كي تبقى اسرائيل الدولة الأقوى بين كيانات مدمرة، وبالتالي حان الوقت لتعود الأحداث إلى بوصلتها الحقيقية، أي إلى مقاومة إسرائيل، وخطوة الرئيس الأميركي يبدو أنها الفرصة المناسبة لذلك، مع العلم أن السيد نصرالله دعا في خطابه الأول إلى تحويل التهديد إلى فرصة للانتصار.

بناء على هذه الرسالة، كانت دعوة أمين عام "حزب الله" إلى التئام صفوف المقاومين جميعاً لوضع استراتيجية موحدة، ووضع خطة ميدانية تتوزع فيها الأدوار وتتكامل في هذه المواجهة الكبرى، أي التأكيد على نظرية وحدة ساحات المواجهة في أي حرب مقبلة، خصوصاً أن هذا المحور، في ظل الحرب التي كان يخوضها، تمدد في السنوات الأخيرة أكثر، والتحقت به المزيد من القوى والحركات.

في الختام، من الضروري الإشارة إلى معادلة أساسية كانت حاضرة في خطاب السيد نصرالله، من خلال التأكيد على أننا "في زمن الانتصارات"، خصوصاً أن القرار الأميركي جاء في لحظة يشعر بها محور المقاومة بالانتصار في معركته على مستوى المنطقة، وترامب أعطى الفرصة لفصائل المقاومة لإعادة التوحّد من جديد.