خلال المرحلة الأخيرة، التي سبقت استقالة رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ المريبة من المملكة العربية ​السعودية​ ومن ثمّ عودته عنها من بيروت، شهدت العلاقة بين "​تيار المردة​" و"​القوات اللبنانية​" تطوّراً نوعيًا، لم تشهد مثله على مرّ التاريخ، جعل كثيرين يتحدّثون عن تحالفٍ انتخابيّ "محتّم" بين الجانبين، يُعتقد أنّ "خصمهما المشترك"، رئيس "التيار الوطني الحر" وزير الخارجية جبران باسيل، لعب دورًا أساسيًا في الدفع باتجاهه.

وعلى الرغم من أنّ الأزمة الأخيرة ساهمت في تدهور العلاقات أكثر وأكثر بين باسيل و"القوات اللبنانية"، من دون أن تُرصَد مؤشّرات "انفراج" على صعيد العلاقة بينه وبين "تيار المردة"، على الأقلّ حتى الساعة، فإنّ كلّ المؤشّرات تدلّ على أنّ أسهم التحالف بين "القوات" و"المردة" بدأت تتراجع رويدًا رويدًا، في ظلّ اعتقادٍ بأنّ عودة العلاقة بينهما إلى سابق عهدها مسألة وقتٍ لا أكثر، وذلك لأسبابٍ واعتباراتٍ كثيرة...

مصلحة متبادلة...

بدايةً، لا شكّ أنّ دوافع "التقارب" الذي سُجّل بين "القوات" و"المردة" في الآونة الأخيرة لم تتغيّر، بل لعلّها زادت برأي كثيرين، خصوصًا أنّ العلاقة بين "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر" قد وصلت إلى نقطة "اللا عودة"، وهو ما ظهر جليًا من خلال السجال العلنيّ الذي دار الأسبوع الماضي بين رئيسي الحزبين ​سمير جعجع​ وجبران باسيل، علمًا أنّ "الحكيم" لم يحيّد رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ نفسه من "قواعد الاشتباك" بين الجانبين، حين وصف العلاقة معه في حديثٍ صحافي بأنّها "رسميّة"، لا أكثر ولا أقلّ.

وإذا كانت الأزمة الأخيرة التي شهدتها البلاد قد زادت من حجم ومستوى "النفور" بين "القوات" من جهة وباسيل من جهة ثانية، في ظلّ تقاذف الاتهامات بين الجانبين، والذي وصل لحدّ الحديث عن "انقلابٍ" قام به هذا الفريق أو ذاك على التفاهم المبرَم بينهما، فإنّ هذا "النفور" لا يزال موجودًا بين باسيل ورئيس "تيار المردة" النائب ​سليمان فرنجية​ من جهة ثانية، وهو ما يظهر بوضوح أيضًا، رغم ما يشبه "الهدنة الإعلامية" القائمة بين قيادتي الفريقين، والتي لا يبدو أنّها تحتاج إلى جهدٍ كبيرٍ لتُكسَر من هنا أو هناك.

انطلاقاً من ذلك، يمكن القول إنّ "المصلحة المتبادلة" بين كلّ من "القوات" و"المردة"، والتي جعلت الأخير يعضّ مثلاً على جرحٍ بحجم كلام النائب ​ستريدا جعجع​، الذي اعتُبِر مهينًا لأهالي زغرتا، تجعل التحالف السياسيّ والانتخابيّ بينهما اليوم أكثر أهمية من السابق، خصوصًا أنّ كلاهما لا يزال يكنّ "الخصومة" للوزير باسيل، وبالتالي فإنّ من مصلحته "كسره" خصوصًا على أبواب استحقاقٍ انتخابيّ، يسعى كلٌ من جعجع وفرنجية وباسيل لإثبات أنفسهم به، تحضيرًا لمعركة رئاسة الجمهورية المقبلة، والتي يُقال إنّ إطلاقها لن يتأخّر كثيرًا، ولو لم تمرّ أكثر من سنةٍ وبضعة أسابيع على العام الأول من ولاية الرئيس ميشال عون.

الظروف اختلفت...

من هنا، يبدو منطقيًا القول بأنّ مصلحة كلٍ من جعجع وفرنجية لا تزال بالتلاقي والتحالف، سواء بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشر، ولو كان عنوان هذا التقارب هو "إسقاط" وزير الخارجية جبران باسيل في انتخابات الشمال، لا أكثر ولا أقلّ. إلا أنّ العقبة الأساسيّة التي تحول دون استمرار الحديث عن مثل هذا التحالف فتكمن في تغيّر الظروف السياسيّة في البلاد، على وقع الأزمة الحكوميّة الأخيرة، والتي لا شكّ أنّها، كما انعكست سلبًا على تفاهم "الوطني الحر" و"القوات"، وحتى على علاقة "القوات" ومن كانت تعتقده حليفًا استراتيجيًا لها، أي "​تيار المستقبل​"، فهي غيّرت الكثير من المعادلات في البلاد.

ولعلّ ما يُحكى عن "عزلةٍ" وضعت "القوات" نفسها بها حين غرّدت خارج السرب "الوطني" في مقاربة الأزمة الحكوميّة التي نشأت عن استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري والملابسات التي أحاطت بها، كافٍ للدلالة على تغيّر الظروف بين هذه المرحلة وتلك التي سبقتها. ولذلك، فإنّ الاعتقاد بأنّ مساهمة "المردة" في كسر مثل هذه "العزلة"، إن وُجِدت، لا تبدو واقعيّة، خصوصًا في ضوء المعلومات المتداولة عن تحالفٍ خماسيّ بدأ الإعداد لخوض الانتخابات النيابيّة على أساسه سواء بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، وليس خافيًا على أحد أنّ هذا التحالف، الذي يضمّ كلاً من "التيار الوطني الحر" و"تيار المستقبل" و"​حزب الله​" و"​حركة أمل​" و"الحزب التقدّمي الاشتراكي"، والذي يستهدف "القوات اللبنانية" بشكلٍ مباشر، ولو نفى ذلك القائمون عليه، سيستقطب أيضًا "المردة" وغيره من المجموعات القريبة من الثنائي الشيعي.

وحتى نضوج هذه الظروف والوقائع، تشير المعطيات المتوافرة إلى أنّ "تيار المردة" سيتبنّى موضة "التريّث"، التي أطلقها رئيس الحكومة سعد الحريري، وذلك حتى يظهر الخيط الأبيض من التحالفات الانتخابية، علمًا أنّ معلوماتٍ متقاطعة تتحدّث عن مساعٍ يبذلها "حزب الله" لجمع حليفيه، أي باسيل وفرنجية، وهي جهودٌ يقول اللاعبون على خطها أنّها ستتكلّل بالنجاح في وقتٍ قريب، خصوصًا بعد انطلاقة الموسم الانتخابي، الذي لا يخفى على أحد أنّ "حزب الله" ينظر إليه بجديةٍ مطلقة، ويتوخّى تحقيق انتصارٍ كاسحٍ فيه، بدأ خصومه يعدّون له العدّة من الآن، خصوصاً أنّ الكثير سيُبنى عليه مستقبلاً...

تكاتفٌ مطلوب...

كثيرون لم يصدّقوا أنّ تحالفًا يمكن أن ينشأ بين "القوات" و"المردة" منذ اللحظة الأولى رغم تشابك المصالح، تمامًا كما اعتقد كثيرون أنّ التحالف بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" لن يترجم على الأرض، وسيبقى حبرًا على ورق.

اليوم، ومع بدء العدّ العكسي لانطلاقة المحرّكات الانتخابيّة، يبدو أنّ كلّ هذه التحالفات بدأت تتراجع لصالح عودة التحالفات الكبرى، التي لا يبدو من الممكن التغاضي عنها في ظلّ ما يُحكى عن انتخاباتٍ أكثر من حامية، لا تتطلب تكاتفاً وتضامنًا بين الحلفاء فقط، بل عضاً على كلّ الجراح والحساسيّات مهما بلغ حجمها...