ليس تحوّلاً في السياسة الأميركية، أن يعلن الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ الاعتراف ب​القدس​ عاصمة لكيان الاحتلال الصهيوني. فهذا هدف استراتيجي للولايات المتحدة، وهناك قانون في الكونغرس بهذا الخصوص وآخر في مجلس الشيوخ، وليس مطلوباً من الإدارة الأميركية سوى اختيار التوقيت المناسب لتحقيق الهدف.

منذ أن أصدر الكونغرس قانون الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني قبل 22 عاماً، تعاقب على الرئاسة الأميركية، ​بيل كلينتون​، و​جورج بوش الابن​، و​باراك أوباما​، لكن هؤلاء لم يفعلوا فعلة ترامب، على الرغم من سياسات الهيمنة الأحادية والغزوات العسكرية، وفي مقدّمها غزو ​العراق​.

الإدارات الأميركية المتعاقبة، وعلى مدى عقدين من الزمن، لم ترَ الظرف مؤاتياً، كي تعلن اعترافها بالقدس عاصمة لكيان العدو، لأنها كانت تعتبر أنّ أيّ خطوة في هذا الاتجاه، ستكون لها تداعيات كبيرة، وكلفتها باهظة على أميركا و ​إسرائيل​ في آن معاً.

بعد غزوها للعراق عبر بوابات بعض ​الدول العربية​، تعمّدت ​الولايات المتحدة​ جسّ نبض سورية، وجاء وزير خارجيتها آنذاك ​كولن باول​ إلى دمشق، حاملاً الشروط والإملاءات كي تنفض سورية يدها من ​فلسطين​ ومقاومتها، لكن الردّ السوري كان حاسماً وحازماً وجازماً… بأنّ سورية لا تتخلى عن فلسطين، وليست هي مَن يخذل ​المقاومة الفلسطينية​.

موقف سورية في ذلك الوقت، شكّل تحدّياً حقيقياً للولايات المتحدة التي كانت في أوْج سطوتها وبطشها، ففهمت واشنطن الرسالة جيداً، وأدركت أنّ اتفاقات ​أوسلو​ و وادي عربة وكلّ المسار التسووي التنازلي والذي يحظى بالتغطية من دول عربية عدة، لا يمكن أن يشكل غطاءً للقرار الأميركي بإعلان القدس عاصمة لكيان الاحتلال، طالما أنّ سورية التي تشكل حاضنة للمقاومة، ترفض وتقاوم مخطط تصفية المسألة الفلسطينية.

لم يكن بوسع أميركا تجاوز حاجز الصدّ السوري، فذهبت مع إسرائيل إلى خيار الحرب لتصفية المقاومة في ​لبنان​ وفلسطين بين عامَيْ 2006 و2008، فسقط هذا الخيار سقوطاً مدوياً، بسبب دعم سورية لقوى المقاومة.

بعد فشل مخطّط تصفية المقاومة، وانكشاف أدوار بعض العرب، جاءت وصفة ​الربيع العربي​ لنشر الفوضى الهدامة بشعارات الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، وانخرطت أكثر من ثمانين دولة، ومئات التنظيمات الإرهابية المتعدّدة الجنسيات، في الحرب بهدف إسقاط ​الدولة السورية​.

وعليه، بات واضحاً أنّ هدف الحرب على سورية هو القضاء على القوة التي تقف إلى جانب فلسطين، كما أنّ قرار ترامب ليس عن سابق جنون، كما يرى البعض، بل هو محاولة فاشلة لاستباق العودة السورية القوية للإمساك بزمام الأمور على صعيد المنطقة.

فمع سورية القوية هناك استحالة لتمرير مخطط تصفية المسألة الفلسطينية.