لن يسمح رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ بتمرير المشروع الإنقلابي ضده مرور الكرام، ولن يتعاطى مع الإنقلابيين على قاعدة وكأن شيئاً لم يكن. هذا ما يؤكده المقربون منه، كاشفين أن لإصرار الحريري على المحاسبة، أسبابه التي يناقشها في مجالسه الخاصة مع فريقه الإستشاري الضيّق. أول هذه الأسباب يتعلق بالجمهور الوفيّ وبالقيادات الوفية التي وقفت الى جانب رئيس الحكومة و​تيار المستقبل​ حتى في عزّ أزمة إحتجازه في المملكة العربية ​السعودية​، وعن هؤلاء الأوفياء، ينقل المقربون عن الحريري تكراره عبارة، "إذا لم نحاسب الذين غدروا بنا وشاركوا بمشروع إلغائنا نكون قد ساوينا بينهم وبين الأوفياء، وهذا ما لن أسمح به، لأن المساواة ستجعل الأوفياء يشعرون بالغبن، وقد تجعل بعضهم يتخلى عنّا في الإستحقاقات المقبلة، خصوصاً عندما يعرض الإنقلابيون على هذا البعض الإغراءات السياسية والمادية لتبني مشروعهم والرهان عليه".

السبب الثاني الذي يجعل الحريري متمسكاً بعملية محاسبة الإنقلابيين ومن شاركوا بمحاولة شطبه من الحياة السياسية، يعود بحسب المقربين منه الى أن المحاسبة ستجعله يمسك زمام القيادة داخل تيار المستقبل أكثر فأكثر، وستمنع قيام جناحين داخل التيار، واحد بقيادة الحريري وآخر يتلقى التعليمات من النائب ​فؤاد السنيورة​ ومن خلفه في الخارج، كما أنها ستطيح وبشكل نهائي بما كان يعرف بـ"مجموعة العشرين" الإنقلابية، التي عقدت أكثر من إجتماع لها داخل ​بيت الوسط​ تارةً بحضور الحريري وتارةً أخرى بغيابه، بهدف إنتقاد سياسته ونهجه السياسي، في فترة ما قبل أزمة الإستقالة.

وإذا كان السببان الأول والثاني لتمسك الحريري بمحاسبة الإنقلابيين، مرتبطين بتياره وجمهوره، فالسبب الثالث الذي يجعله أكثر تمسكاً وإصراراً على المحاسبة، متعلق بالأفرقاء السياسيين، وتحديداً بمن كان يعتبرهم من الحلفاء الأوفياء طيلة السنوات الماضية التي تلت إغتيال والده رفيق الحريري، ومحاسبة هؤلاء، ستكون بحسب شخصية مقربة من الحريري، في صناديق الإقتراع وما سيسبق فتحها من تحالفات إنتخابية سيعقدها الحريري إنطلاقاً من المشهد السياسي الجديد الذي رسمته أزمة إستقالته.

إذاً نية الحريري بالمحاسبة موجودة، لا بل أكثر من ذلك قراره متخّذ على هذا الصعيد، لكن هذه المحاسبة لن تكون متسرعة، ولن تبدأ قبل أن تكتمل المعطيات والمعلومات لديه عن مرحلة إحتجازه في الرياض، وما سبقها من تحضيرات للإنقلاب، وما تخللها من تطورات، وذلك على قاعدة كي لا يظلم فريقا أو نائبا أو وزيار أو مستشارا، وكي لا يبرأ متورط، وكي لا يتبين فيما بعد أن رئيس تيار المستقبل ظلم أحداً وكي لا يندم الأخير على أي قرار يتخذه بحق متهم، خصوصاً أن إقصاءات عدة سيشهدها التيار الأزرق بنتيجة المحاسبة التي يريدها الحريري. إقصاءات ستحدث الكثير من التغييرات على ​كتلة المستقبل​ النيابية والوزارية، وصولاً الى فريقه الإستشاري الضيق، الذي لن يسلم أيضاً من هذه المحاسبة.