منذ أيام قليلة نزل نزول الصاعقة على لبنان واللبنانيين خبر إعادة السماح بإستيراد مبيدات زراعية تتضمن في مكوناتها موادّ مسرطنة. كيف حصل ذلك؟ من هي الجهة التي تقف وراء القرار المشؤوم ولأي غاية؟ من كشف النقاب عن فضيحة من هذا الحجم؟ وكيف يمكن إستدراك الوضع وبسرعة لوقف إدخال هذا النوع من المبيدات وحماية اللبنانيين والإنتاج الزراعي من مرض السرطان؟.

القصة بدأت عندما حصل وزير الصحة السابق ​وائل أبو فاعور​ على معلومة تفيد بأن وزير الزراعة ​غازي زعيتر​ أصدر قراراً عدّل فيه القرار المشترك رقم 1048 المتخذ بين وزارتي الصحة والزراعة في العام 2014، أي في عهد أبو فاعور وزميله في الحزب الإشتراكي ​أكرم شهيب​، والذي يمنع استيراد عدد كبير من ​المبيدات الزراعية​ الى لبنان بسبب مكوناتها المسرطنة. قرار زعيتر المعدّل إستثنى من هذه المبيدات الممنوعة من الدخول الى البلد، 18 صنفاً وأعاد السماح للتجار بإستيرادها.

بقراره المعدّل، ينطلق زعيتر من تقرير صادر عن لجنة الأدوية الزراعية الذي تضم مندوبة عن ​وزارة الصحة​ ومندوبين عن وزارات ومؤسسات أخرى. تقرير أصدرته اللجنة في العام 2017 وفيه توكد أن هذه المبيدات التي أعيد السماح بإستيرادها لسيت مسرطنة وتستعمل في بلدان المنشأ. في المقابل، يتمسك أبو فاعور برأيه العلمي القائل إن هذه المبيدات مسرطنة وإذا كانت تستعمل في بعض الدول، فذلك يحصل بناء على إرشادات وتعليمات إستثنائية من ​وزارة الزراعة​ خصوصاً لناحية الكميات التي يسمح بإستعمالها، لأن أي إساءة لعملية الإستعمال وأي تفلت من الرقابة، قد يؤدي الى سرطنة المزروعات. وبما أن الرقابة على ​المزارعين​ في لبنان​​​​​​​

معدومة، من الأفضل ألا يسمح بإستيراد هذه المبيدات كما أن من الضروري جداً أن يلغي الوزير زعيتر هذا القرار لمنع التجار من تكديس هذه المبيدات في المستودعات بهدف بيعها وتحقيق الأرباح في وقت لاحق.

وسط هذا الكباش الدائر بين أبو فاعور وزعيتر يعترض وزير الصحة الحالي ​غسان حاصباني​ على تعديل القرار المشترك المتخذ بين وزارتي الصحة والزراعة، ويقول إن أي تعديل كهذا كان يجب أن ينسق مع الوزراة وعلى مستوى الوزير لا أي موظف آخر. وفي هذا السياق، تكشف المعلومات أن حاصباني لم يكن على علم بأن مندوبة وزارته في لجنة الأدوية الزراعية وافقت على قرار التعديل، كما أن الأخيرة لم تعلمه بقرار التعديل الذي كان سيعترض عليه فيما لو أبلغته بأن اللجنة تدرسه. مندوبة الوزارة في اللجنة ليست في لبنان راهناً، لذلك ومنذ أن فجّر أبو فاعور هذه المفاجأة، لم يتمكن حاصباني أن يتحدث اليها وهو ينتظر عودتها، لعقد إجتماع طارئ معها.

​​​​​​​

في بلد ينضم فيه سنوياً الى لائحة المصابين بمرض السرطان سبعة آلاف مريض جديد، ما يهم المواطنين من كل ما تقدم، هو وقف القرار المعدّل من قبل زعيتر وبسرعة، وإذا كان هناك تفاوض بين الوزارات، فليكن هذا التفاوض بعد وقف القرار لا خلال فترة تطبيقه، لأن لبنان واللبنانيين بغنى عن مزيد من المآسي، فقط لأن بعض التجار يتعاطى مع ملف خطير كهذا من باب التجارة والربح، حتى ولو تحقق هذا الربح من صحة المواطنين وحياتهم.