في تموز 2017، أقرّ مجلس النوّاب في جلستة تشريعيّة له، ​سلسلة الرتب والرواتب​ للعاملين في ​القطاع العام​، في كلّ بنودها، مع تعديل على دوام الموظّفين. وكان من المُستغرب في حينه أنّ هذه "السلسلة" التي جرى تأجيلها والمُماطلة والمُراوغة عند بحثها على مدى سنوات طويلة، أقرّت بشكل سريع على الرغم من عدم إقتناع الكثير من النوّاب بتفاصيلها وبنسب الزيادات الواردة فيها، إلخ. إلى درجة أنّه جرى وصفها بالرشوة الإنتخابيّة على بُعد أشهر من تنظيم الإنتخابات النيابيّة. لكن وفي حين أنّ هذه "السلسلة" إنعكست إيجابًا على موظّفي الدولة وعلى القوى الأمنيّة فيها وأغلقت بابًا من الإعتراضات المُزمنة، فإنّها فتحت أبوابًا من المشاكل التي من المُرجّح أن تتفاقم مع الوقت. وفي هذا السياق، يُمكن تعداد ما يلي:

أوّلاً: في الوقت الذي جرى فيه تغطية الزيادات التي لحقت برواتب المعلّمين والأساتذة الذين يعملون لصالح المدارس الرسميّة والجامعة ال​لبنان​يّة، من قبل مالية الدولة وضرائبها، برزت مُشكلة مصادر تغطية الزيادات المطلوبة لمعلّمي وأساتذة ​القطاع الخاص​، حيث وَقع الأهالي بين سندان الموافقة على رفع الأقساط ومطرقة الإضرابات المُنفّذة من قبل القطاع التعليمي الخاص. وعلى الرغم من كل الإتصالات والإجتماعات القائمة في هذا الملف(1)، فإنّ أيّ حلول لا يُمكن إلا أن تمرّ بزيادات مالية ستلحق بالأقساط، مع ما يُلاقيه هذا الأمر من إعتراضات من قبل الأهالي بدأت معالمها تظهر على الأرض، ومع ما ستُشكّله هذه المسألة أيضًا من مشاكل إجتماعيّة عند الشروع في دفع الأقساط الجديدة، مع الإشارة إلى أنّ بعض المدارس سلّمت الأهالي الدفعة الثانية من الأقساط مع زيادات مُتفاوتة.

ثانيًا: المُؤسسات العامة بدأت من جهّتها إضرابًا مفتوحًا وهي تعتزم تنظيم سلسلة من التظاهرات والإعتصامات في الأيّام والأسابيع المُقبلة، رفضًا لمضمون التعميم الخاص الذي أصدره رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ بشأن رواتب مُستخدميها، بحجّة أنّ هذا التعميم تجاهل الكثير من حُقوق هؤلاء المُكتسبة وميّز بين مستخدمي المؤسّسات العامة وموظّفي الإدارة العامة بشكل غير عادل ولا منطقي، في ظلّ حرمان العاملين لصالح المؤسّسات العامة من تقديمات تعاونيّة الموظّفين ومن نظام التقاعد أسوة ببقيّة موظّفي الدولة.

ثالثًا: القطاع الخاص هو المُتضرّر الأكبر من "السلسلة" لأنّه ما أن يتمّ حلّ مُشكلة مُعلّمي وأساتذة التعليم الخاص، وحلّ مُشكلة موظّفي المؤسّسات العامة، ستتجه كل الأنظار إلى رواتب العاملين في هذا القطاع. وإذا كان تمويل الزيادات التي كسبتها أو ستكسبها باقي القطاعات، تمّ أو سيتم من جانب الدولة عن طريق ​الضرائب​ وعبر زيادة الأقساط المدرسيّة، فإنّ القطاع الخاص سيجد نفسه قريبًا أمام التصعيد المُرتقب للعاملين والموظّفين فيه والذين لا بُدّ أن يُطالبوا في نهاية المطاف بأن تكون رواتبهم بنفس مُستوى رواتب القطاع العام والقطاع التعليمي. فليس من المنطق أنّ يبقى الفارق الكبير في الرواتب الذي صار قائمًا حاليًا بين القطاعين العام والخاص، علمًا أنّ القيّمين على الوظائف في القطاع الخاص يملكون القُدرة على الإستغناء عن أي من موظّفيهم من دون أي ضوابط، وعلى الضغط عليهم من ناحيتي الرواتب والدوامات، بحجّة الوضع الإقتصادي الصعب. ومن المُتوقّع بالتالي ألاّ يحصل العاملون في القطاع الخاص على زيادات لائقة في المدى المنظور، الأمر الذي سيتسبّب بكثير من المشاكل الإجتماعيّة، وُصولاً إلى مرحلة لا يعود من المُمكن معها تجاهل مطالب رفع رواتبهم، لتحلّ عندها مُشكلة أخرى لن يكون أحد في منأى عنها، وتتمثّل بالتضخّم المالي على مُستوى كل لبنان!.

في الختام، يُمكن القول إنّ ما إعتبره البعض "تصحيحًا للظلم" اللاحق بالقوى الأمنيّة وبموظّفي الدولة، في مُقابل وصفه من قبل آخرين بالرشوة الإنتخابية، أحدث خللاً كبيرًا على مستوى رواتب العاملين في لبنان، ما يعني أنّ الفئات غير المُستفيدة من الزيادات المالية ستُواصل رفع الصوت لتحصيل حُقوقها في يوم من الأيّام. والأكيد أنّ هذه المُشكلة لا يُمكن أن تحلّ قبل عودة التوازن إلى ميزان الرواتب بين القطاعين العام والخاص، وحتى ضمن القطاع العام نفسه. وإلى ذلك الحين سنسمع الكثير عن إضرابات واعتصامات وتظاهرات، لأنّ العدالة لا يُمكن أن تكون مُجتزأة!

(1) آخرها لقاء رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ لجنة المدارس الكاثوليكيّة، ومُطالبته بأن تُعالج هذه المُشكلة بشكل جذري بمُشاركة الدولة وإتحاد المؤسّسات التربويّة ونقابة المعلّمين.