قبل أن يأتي الرئيس الأميركي إلى المنطقة ليزور إسرائيل ورام الله والأردن، كتب الصحفي توماس فريدمان مقالاً اعتبر فيه أن زيارة الرئيس ستكون زيارة «السائح». وأن أولوية اهتمامات الإدارة الأميركية ليست في المنطقة، وسّربت معلومات تتحدث عن ضغوطات يتعرض لها أوباما لزيارة الكنيست وإلقاء خطاب فيه.

البيت الأبيض ردّ في بيان يقول: «الرئيس لا يزور إسرائيل سائحاً»! أعتقد كثيرون أنه سيأتي في زيارة سياسية يؤكد فيها مواقفه عن السلام والاستقرار في المنطقة.

لكن المدافعين عن أوباما قالوا: «الزيارة هي لطمأنة إسرائيل، أما زيارة رام الله والأردن، فهي على الهامش»، يعني العرب هوامش. قضيتهم الأساسية هامشية، مصالحهم مهمشة. الزيارة لهم هي لرفع العتب والسياحة!

وأضافوا: «لن ينشغل بالمفاوضات ومحاولة استئنافها بين إسرائيل والفلسطينيين، هو يريد تبديد قلق إسرائيل في أميركا على قوة تأييده لها!

بالفعل جاء الرئيس، صحيح لم يزر الكنيست. ألقى خطاباً في مكان آخر، لكن مضمون الخطاب وخلفية الزيارة كانا واضحين تماماً، تطمين إسرائيل، وتأكيد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وتوفير كل مقومات الأمن لإسرائيل، ومناشدة الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية. وحلم الحرية وجد أخيراً تعبيره الكامل في فكرة الصهيونية أن تكون حراً في وطنك »! ودعا الدول العربية إلى «التكيف مع عالم قد يتغيّر فعلاً... وقد حان الوقت لخطوات إلى الإمام تجاه تطبيع العلاقات مع إسرائيل»، وقام بخطوة استثنائية بزيارة قبر مؤسس الصهيونية تيودور هرتزل.

هذا هو الرئيس الأميركي، وهذه هي السياسة الأميركية الصهيونية هي منبت الحرية! والصهيونية عنصر أمان واستقرار، فكيف يمكن بناء السلام، والصهيونية التي تعّبر عن ذهنية الحقد والإرهاب والقتل والتهجير، كيف يمكن أن تكون موقعاً للتعبير عن الحرية؟ لقد سبقه وزير خارجيته جون كيري إلى انتقاد رئيس الحكومة التركية، عندما أشار إلى أن «الصهيونية هي جريمة ضد الإنسانية ». طالبه «كيري» بالتراجع عن الموقف. أردوغان لم يفعل بل طالب بموقف من «الإسلاموفوبيا» ورفض الحملة على الإسلام والمسلمين!

نعم لم يأت أوباما سائحاً، بل جاء ملتزماً بالحسابات الإسرائيلية والمبادئ الإسرائيلية التي عبّر عنها نتنياهو في تشكيلة حكومته الأخيرة. لا سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، الاستيطان مستمر في كل المناطق. الفلسطينيون يتحملون مسؤولية «الإرهاب» ويهددون الأمن. أوباما لا يرى أطفال فلسطين، ولا يعنيه أمرهم. مسلسل الإرهاب الإسرائيلي الذي قتل مئات الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء منذ النكبة وحتى اليوم، وهجّر الملايين، وعمّم الظلم والقهر والجوع والفقر لا يراه. فهو قال في كلمته: «عندما أفكر بأمن إسرائيل، أفكر بالأطفال. بأعمار بناتي عندما يذهبن إلى النوم ليلاً خائفات من سقوط صاروخ في غرفتهن». ألا يفكر بأطفال فلسطين، وهل لديهم غرف نوم أصلاً، وقد تم تدمير كل شيء؟

أما في موضوع إيران، فقد ربط أوباما بين الهولوكست والمشروع النووي الإيراني. وقال: «عندما أفكر بأمن إسرائيل، أفكر بالأشخاص الذين عاشوا الهولوكست، ويواجهون احتمال حصول حكومة إيرانية طالبت بتدمير إسرائيل على السلاح النووي».

أميركا تفاوض إيران، يكون تقارب معها. تريد حلاً دبلوماسياً للنووي، تقدم إغراءات كما قال «كيري» لتحفيز إيران عن الوصول إلى اتفاق. ويأتي إلى إسرائيل يقول كلاماً من هذا النوع، ليذكر بالهولوكست، ويرضي الإسرائيليين ويطمئنهم، ويضيف أنه «إذا قررت إسرائيل ضرب إيران، فهي لن تعود إلى واشنطن – لن تسأل واشنطن»!

كل هذه السياسة والمواقف، تؤكد أن الأولوية هي لإسرائيل وأمنها، أما الباقي فكله على الهامش كما قال المدافعون عن أوباما. وهذا يؤكد أن القضية الفلسطينية لم تعد القضية الأساس. وأن الاستقرار في المنطقة في نظر الأميركيين وغيرهم لم يعد مرتبطاً بها. وثمة من يتحدث اليوم عن الصراع الشيعي – السني كعنصر أهم في التأثير على استقرار المنطقة وحفظ مواردها لتقاسمها وتقاسم مواقع النفوذ على أرضها.

نحن أمام صراع جديد ولعبة دولية جديدة بعناصرها وعواملها وتشابكاتها وحساباتها الدولية والإقليمية وفلسطين تدفع الثمن والعرب يدفعون الثمن. الفلسطينيون مدعوون إلى الاتفاق مهما كلّف الأمر، الحد الأدنى من التفاهم بينهم هو الضمانة وإلا ستستمر إسرائيل في استغلال ما يجري في مصر لإرباكها وتعطيلها أكثر. وفي سوريا التي تدمّر وفي كل المنطقة العربية. حيث تعمّ الفوضى ويشتد الصراع المذهبي، وتتركز التعبئة ضد إيران لمزيد من التخويف منها، فنصبح أعداء بعضنا البعض وأسرى صراعاتنا وحروبنا المذهبية وترتاح إسرائيل، بل تكون جزءاً من إدارة الصراعات أو الدخول على خطها للتأثير فيها وبنتائجها.

هل يعني ذلك أن إيران تمارس السياسة الصحّ في كل ما تقوم به؟ بالتأكيد لا، أي مؤمن بأن الصراع المذهبي والفوضى هما في مصلحة إسرائيل وأميركا، ومن يقف معهما ينبغي عليه أن يبذل كل الجهود والمحاولات لمنع هذا الصراع واعتماد السياسات الكفيلة بوأد الفتنة التي لن ينجو منها أحد. إيران تتصرف من موقع القوي. الرابح في ظل ضعف العرب وغيابهم وعدم قدرتهم على التأثير، وتتصرف على أساس أنها المفاوض القوي لأميركا والعرب.

هذا لا يشكل ضمانة لاستقرار المنطقة مع استمرار الفوضى والاحتقان المذهبي. والعرب، والمشكلة هي أنك عندما تقول هذه الكلمة تسأل، عن أي عرب تتحدث؟ أين العرب؟ هذا صحيح ومؤلم، لكن في النهاية ما تبقى في هذه المنطقة من رجال وقوى وطاقات وإمكانات في كل المواقع، ينبغي أن يكونوا على قدر المسؤولية في وعي مخاطر ما يجري.. لن يربح فريق من الطرفين. ولن ينجح أحدهما في تثبيت استقرار في أي مكان في ظل هذا الصراع. سنكون جميعاً واقفين على أراضٍ مدمرة، محروقة. وثروات مرهونة، ومشاهد رعب لا توصف إذا استمر الوضع على ما هو عليه.