"حرية الصحافة" هي من إحدى الجمل التي تتكرر على مسامعنا، خصوصاً في زمن "الربيع" الذي نعيشه. فالصحافة الحرّة – حقًا – "هي أمر لا غنى عنه لتحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان"، كما ورد في اعلان "ويندهوك" الصادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة.

وينصّ إعلان "ويندهوك" المؤرخ 20 كانون الأول 1993، والذي يحمل الرقم 48/432 على أن يكون يوم 3 أيار يوما عالميا لحرية الصحافة، ويعتبر الاعلان أنه لا يمكن تحقيق حرية الصحافة إلا من خلال ضمان بيئة إعلامية حرة ومستقلة وقائمة على التعددية "وهذا شرط مسبق لضمان أمن الصحفيين أثناء تأدية مهامهم، ولكفالة التحقيق في الجرائم ضد حرية الصحافة تحقيقًا سريعًا ودقيقًا".

ويصف الصحافي الفلسطيني الزميل محمد فروانة الإعلام بأنه "الذي ينقل الحقيقة والأحداث كما هي دون تدخل، وبحيادية كاملة وموضوعية متوازنة" ويعتبر أن من مهامه "خدمة المجتمع الذي يتوجه إليه"، بينما يصفه رئيس تحرير جريدة "حريّات" السورية كريم ليلى بأنه "كل وسيلة إعلامية ترفض الارتهان للمال السياسي والأجندات الحكومية، وتكون فيه الأقلام والأصوات حرة، تعبر عن نبض الشارع، تنقل الوقائع كما هي بدقة وموضوعية تسعى إلى نشر الوعي ورفع سوية المجتمع". في المقابل، يرى الصحافي اللبناني ثائر غندور أن "الصحافي الحرّ نظرياً هو الذي لا يوجد رقابة سياسية أو مالية عليه، أو حتى رقابة ذاتية"، ويشير إلى أن "الواقع أن مؤسساتنا الإعلامية ترتهن للممولين بالدرجة الأولى وللقوى السياسية بالدرجة الثانية".

"لبنان بعيد جداً عن سقف حريّة الرأي والتعبير"؟!

ومن هذا المنطلق، تعرّضت الصحافة لكثير من المضايقات والانتهاكات التي مورست بحقها، خصوصاً في عالمنا العربي.

وقتل أكثر من 600 صحفي وإعلامي في السنوات العشرة الأخيرة أثناء تأدية مهام عملهم وهو ما يعني أن صحفيًّا أو صحفية يقتل على الأقل أسبوعيًّا خلال تأدية الوظيفة الإعلامية. والعام الماضي، وحده، شهد مقتل 121 صحفيًّا، وهو رقم يشكل تقريبًا ضعف الأرقام التي شهدها عاما 2010 و2011.

وفي لبنان، توضح تقارير المنظمات الحقوقية أن أنواع الانتهاكات بأغلبها تتوزّع بين عدم احترام الملكية الفكرية، والقرصنة، والقدح والذم، والتهديد بالقتل والخطف، بالاضافة الى المنع من تغطية بعض الاحداث والاحتجاز، عدا عن الاغتيالات كاغتيال النائب الصحافي جبران تويني والصحافي سمير قصير ومحاولة اغتيال الاعلامية مي شدياق، وكذلك مقتل المصوّر في قناة "الجديد" علي شعبان أثناء تصويره الأحداث على الحدود اللبنانية السورية، وغيرها من الانتهاكات.

وفي هذا الاطار، يلاحَظ أنّ معظم الانتهاكات بحق الصحافيين في لبنان تتمّ من قبل مسلحين او أشخاص مدنيين - وليس من قبل السلطات الرسمية – كالرشق بالحجارة ومحاولة تكسير سيارات النقل المباشر والكاميرات والمنع من التغطية المباشرة، والتهديد بالقتل او الخطف، أو حتى الاعتداء بالضرب، باستثناء بعض الحالات المسجّلة وبينها التعرض للصحافي قاسم قاسم بالضرب امام منزل السفير الفرنسي من قبل قوى الامن الداخلي بتاريخ 20 آذار 2013.

ويوضح غندور في حديث لـ"النشرة" أن "الثورات العربيّة ساهمت برفع سقف حرية التعبير ومصر نموذج لذلك، لكن في لبنان لا نزال بعيدين عن سقف حرية التعبير، وليس كما يتصوّر البعض أننا نتمتع بحرية رأي وحرية صحافة، وذلك لأن وسائل الإعلام اللبنانية خاسرة مادياً وبالتالي ترتهن للممولين، لذا تفقد حريّتها وتمارس ضغوطات على الصحافيين بالإضافة الى التّهديد بالقتل وتعرض عدد من الصحافيين للاغتيال او محاولات الاغتيال".

ويشير إلى أن "السلطة السياسية والسلطات الامنية بالاضافة الى سلطة الممولين ورقابة المؤسسات تمارس قمعاً بحقّ الصحافيين، يضاف إليهم المنظومة الدينية والقوانين التي لا تحمي الصحافيين بل إن أسوأ أنواع القمع موجود في القوانين وخاصة الحصول على الامتياز لاصدار صحيفة (الرّخصة)".

سوريا في واجهة الانتهاكات ضد الصحافيين خلال العامين المنصرمين

من جهتها، تسيطر سوريا على واجهة لائحة الانتهاكات بحق الصحافة في العالم العربي بسبب الأحداث التي تجري فيها منذ عامين، حيث تم توثيق مقتل أكثر من 100 صحافي، بحسب تقرير للجان التنسيق المحلية السورية، الذي يشمل صحافيين من الموالاة والمعارضة السورية، ويضمّ اسم مصور قناة "الجديد" الراحل علي شعبان الذي تعرض لإطلاق نار على الحدود اللبنانية السورية بتاريخ 9-4-2012.

وتوضح تقارير المنظمات المعنية بحقوق الانسان وحرية الرأي والصحافة، أن معظم الانتهاكات في سوريا كانت عبر الاعتقالات والقصف ورصاص القنص والسيارات المفخخة والخطف والاعتداء بالضرب.

ويشير رئيس تحرير جريدة "حريّات" الأسبوعية السورية إلى أن "لا مجال للحديث عن "حرية التعبير والإعلام" في خضم كل ما جرى و يجري في سوريا، سيما وأن أعداد ضحايا حرية التعبير من الإعلاميين والصحافيين المدنيين بازدياد كبير"، ويشير الى "تعرضهم للقتل أو السجن أو التعذيب حتى الموت". ويرى في حديث لـ"النشرة" أن " كل المنابر الإعلامية في سوريا، الحكومية منها و"غير الحكومية"، ليست إلا إعلامًا وصحافة موجهة، وهي أكثر من مجرد مقموعة"، على حدّ تعبيره.

فلسطين واسرائيل رمزان لانتهاك حقوق الصحافة؟

في فلسطين، تشير التقارير الحقوقية الى أن عدد الاعتداءات البدنية والاعتقالات والاحتجاز والمصادرة التعسفية للمعدات وغيرها من خروقات حقوق الصحافيين على يد قوات الأمن الفلسطينية، هو في زيادة، سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة؛ بالاضافة طبعاً للانتهاكات الصادرة من قبل القوات الاسرائيلية.

وكانت أغلب هذه الاعتداءات متوزّعة بين الاعتقال، والمنع من الوصول الى المعلومة او التغطية الصحافية، بالاضافة الى القتل العمد. ولعلّ الانتهاك الابرز كان في قرار محكمة بيت لحم بتاريخ 28 آذار 2013، بالحكم على مراسل قناة "القدس" الفضائية ممدوح حمامرة بالسجن لمدة عام كامل، بتهمة الإساءة الى الرئيس الفلسطيني محمود عباس و"إطالة اللسان"، بسبب ما كتبه على صفحته على موقع "فيسبوك" للتواصل الاجتماعي، ليعود عباس ويصدر عفواً رئاسيا عنه بعدما احدثت القصة جدلاً كبيراً في الشارع العربي.

ويشير فروانة في حديث لـ"النشرة" إلى أنه " لا يمكن قياس الحرية المتوفرة في فلسطين بدول غربية لها تاريخ طويل في الحرية والديمقراطية، فهناك هامش من الحرية مع قيود تفرضها السياسية والمجتمع".

ويوضح أن "الصحافيين الفلسطينيين يتأثرون بشكل مباشر بالاحتلال الاسرائيلي وحتى الانقسام الفلسطيني"، ويلفت إلى أن "جزءًا كبيرًا من التضييق على الحريات الاعلامية كالحصول على المعلومة أو الإعلان عن مصدر المعلومة أو الحجز أو الاعتقال او الضرب، هو نتيجة جزئية للانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة".

قمع الصحافة في مصر ليس سياسياً؟!

وفي مصر، رصدت أكثر من 212 حالة انتهاك لحرية الرأي والتعبير منذ قيام ثورة "25 يناير"، تتوزّع بين إساءة معاملة الصحافيين والإعلاميين والاعتداء عليهم وفرض قيود على حريّة الرأي والتعبير ومنع تداول المعلومات ومصادرة الفكر والابداع، بالاضافة الى القتل والاعتداء بالضرب والخضوع للتحقيقات الادارية والعسكرية والاحتجاز وتوجيه تهم للصحافيين بإهانة الرئيس.

كما أصيب 11 إعلامياً دون أن يتم إحتجازهم أثناء تغطيتهم للأحداث. وتعرضت مراسلة قناة "فرانس 24" سونيا دريري أثناء تغطيتها وتقديم مداخلة على الهواء مباشرة لأحداث جمعة "مصر مش عزبة" بتاريخ 19/10/2012 للتحرش الجنسي عدة دقائق من قبل متظاهرين.

ويرى مدير تحرير صحيفة "المصري اليوم" المصرية الصحافي إيهاب الزّلاقي أن "مصر تتمع بنسبة معقولة من حرية التعبير، سواء مقارنة بالمنطقة العربية، أو مقارنة بمرحلة ما قبل الثورة"، ويشير إلى "الضغوطات المالي والإجتماعية التي تفرض خطوطها الحمراء، والتهديدات والضغوط التي تفرضها قوى الإسلام السياسي على الأرض مثل عملية حصار مدينة الإنتاج الإعلامي التي تمت منذ حوالي شهرين".

ويوضح الزلاقي في حديث لـ"النشرة" أن "القمع السياسي غير موجود حالياً في مصر ولكن القمع باختيار رؤساء تحرير للصحف القومية موالين للنظام بحيث يضغطون على من يغرد خارج السرب موجود وفى ازدياد ونتج عنه إيقاف العديد من المقالات لكتاب كبار، وهناك أيضا التهديدات التي يتعرض لها الصحفيون من أنصار الإسلام السياسي وهي لم تأخذ شكلا جديا حتى الآن، وهناك الضغوط الاجتماعية على تناول قضايا خارج السياق المألوف"، ويعتبر أن "هذه قضية معقدة لأن غالبية العاملين بالإعلام هم في الحقيقة نتاج هذا المجتمع وبالتالي فإن الأفكار المحافظة تتحول إلى إحدى قيود الرقابة الذاتية على الصحافة في مصر".

ويلفت الزّلاقي الى ان "الأسلوب الأبرز في قمع الصحافيين خلال عهد الرئيس محمد مرسي هو إرهاق الإعلاميين بالقضايا المرفوعة ضدهم في المحاكم كوسيلة للضغط والقمع خاصة أن القانون المصري حتى الآن يسمح بالسجن في قضايا النشر، وهو الأمر الذي رفض الاسلاميون تماما تغييره فى الدستور الجديد".

"التحدث بأمان".. شعار اليوم العالمي لحريّة الصحافة

وأعلنت الأمم المتحدة شعار "التحدث بأمان: ضمان حرية التعبير في جميع وسائل الإعلام" عنواناً للاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة للعام 2013 الحالي "من أجل تعبئة المجتمع الدولي لحماية سلامة جميع الصحافيين في جميع البلدان ولكسر الحلقة المفرغة التي تجسدها ظاهرة الإفلات من العقاب".

وفي هذا الاطار، يعتبر فروانة أنه "وبفعل استمرار الاحتلال الاسرائيلي وانقسام السلطة الفلسطينية، فإن الصحافيين يتعرضون للترهيب والقتل والاعتداءات بالضرب والتهديدات بالاضافة للمنع من الوصول للمعلومة، وذلك عبر القوات الاسرائيلية وقوات الامن الفلسطينية بالاضافة للاعتداءات من قبل مواطنين عاديين أو من خلال رقابة السلطة الدينية".

لكن كريم ليلى يشير الى ان "التعتيم الإعلامي في سوريا يتم عبر حجب مواقع الحصول على المعلومات من المصادر المستقلة وحصرها بوسائل الحكومة، والتضليل الإعلامي بما فيه التشويش على مصادر المعلومات والأخبار الواردة من جهات "غير مرضي عنها"، بما في ذلك نشر الشائعات و إثارة الشكوك، بالاضافة الى "اعتقال وتعذيب وقتل الصحافيين والإعلاميين والمصوريين وكل من له صلة بنشر الوقائع وبثها عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالاضافة الى تشويه سمعة الاعلاميين والطعن بمصداقيتهم و الحجز على أملاكهم ومنعهم من السفر". ويرى أن "القمع في سوريا ممنهج".

ويشير إيهاب الزلاقي، من جهته، إلى أن "القمع بالأساس يأتي من السلطة، ومن خلال قمع السلطة يمكن استخدام أدوات مختلفة مثل بعض الأجهزة الأمنية، مراقبة الهواتف، نشر فضائح شخصية، ترهيب أو ترغيب نوعيات معينة من المواطنين (بلطجية) أو باستخدام الأبواق الدينية".

"تمثل حرية التعبير حقا من أثمن حقوقنا، فهي الركيزة التي تقوم عليها كل حرية أخرى وهي أساس للكرامة البشرية. وتمثل وسائل الإعلام الحرة والتعددية والمستقلة شرطا أساسيا لممارسة هذه الحرية"، جملة وردت في الرسالة المشتركة بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة عام 2012، ولعلّها يجب أن تكون الأساس لبداية "ثورة الصّحافة" للحصول على حقوقها. معركة، يعتبر الصحافي ثائر غندور أنه يجب أن "يبدأها الصحافيون ذاتياً عبر القتال للوصول لحقوقهم وضمان حريتهم وحتى إن دفعوا أثماناً غالية لذلك، بالاضافة إلى معركة القوانين إذ إن هناك ضرورة لتعديل القوانين لتضمن حرية الصحافة".