إنها الساعة الحادية عشرة والنصف صباحاً، الحرارة 32 درجة، أهلا بكم في القاهرة. زحمة سير وحركة لافتة، مواطنون من كل الجنسيات يدخلون إلى أرضها، هكذا هي الصورة في مصر التي يبدو أنها عادت الى طبيعتها وحيويتها بعد نحو سنتين من الثورة الشعبية التي اسقطت الرئيس المخلوع حسني مبارك ونظامه الحاكم، وها هو مع زمرته الفاسدة يُحاكم على ما اقترفه طوال سنين حكمه من ارتكابات بحق أبناء بلده.

اذاً، يمكن لمن يصل إلى مصر أن يرى بأنها بألف خير وأن شعبها وصل بثورته إلى ما كان يصبو اليه، ها هم المعارضون لحكم الرئيس الحالي محمد مرسي وجماعة "الإخوان المسلمين" يتصدرون الشاشات لمهاجمة النظام الحاكم، وها هو باسم يوسف يطل اسبوعياً لانتقاد حكم "الإخوان"، فيما أجهزة الاستخبارات لا تجرؤ على اعتقال وكم أفواه المعارضين.

نعم، هذه صورة جميلة لمصر بعد الثورة، مصر الحرية والعدالة، مصر ربيع الثورات العربية، مصر "ام الدنيا"... نعم هكذا اعتقدنا انها مصر، لكن من يستمع لأهلها وشعبها وشبابها يرى الصورة بعين مختلفة... مصر لم تعد "أم الدنيا"... لقد باتت "أم الإخوان"!

في شوارع مصر الصورة مختلفة!

رغم ان الحركة تبدو طبيعية في شوارع مصر وخصوصاً في عاصمتها القاهرة، لكن ما تخفيه شمس النهار الحارقة من شهر حزيران يكشفه كلام اهل المدينة. هنا تبدو القضية مختلفة، الشعب مقهور ويعاني وضاق ذرعاً من حكم "الإخوان".

يروي شاب من القاهرة أنّ إحدى المقابر في المدينة يعيش فيها حاليا نحو 600 الف مواطن مصري، ويؤسسون حياة بين القبور.

آخر يشكو من الفلتان على كافة الصعد في ظل حكم "الإخوان"، فيدل على احدى الاراضي قرب نهر النيل التي كانت مساحات خضراء وهي اليوم تحولت الى ارضٍ للمباني العشوائية التي تُبنى دون أي ترخيص او مراقبة من السلطات.

من يجول في أحياء القاهرة يُفاجأ بالكم الهائل من النفايات المرمية على جوانب الطرقات، وهي باتت في بعض الاحياء مصدر رزق للعديد من المحتاجين الذين يتنافسون على العمل في مهنة "الذهب الاسود" كما تُسمى في مصر اي جمع النفايات وبيعها.

يسخر أحد سائقي الأجرة في القاهرة عندما يشاهد مركز شرطة وأمامه عشرات السيارات المتوقفة، ليشير الى انه خلال عهد النظام السابق ما كان احد يتجرأ على التوقف امام مركز للشرطة. لكنه يشدد على ان كلامه ليس دفاعاً عن نظام حكم قهر شعبه ودفع به الى الانتفاضة طلباً للحرية، بل لأن كم الفوضى في الوقت الراهن لم بعد محتملاً.

"يا ما أحلى أيام يا مبارك!"

في الطريق الى الجيزة، الى أرض الاهرامات، يلفت نظرك نهر النيل العظيم الذي يشكل ثروة طبيعية لمصر، استطاع المصريون استغلالها وخاصة للري حيث تنتشر الأراضي الزراعية الخضراء على ضفافه. لكن هذه الثروة، التي تروي ارض الفراعنة، مهددة اليوم بفعل سياسات محمد مرسي "الخرقاء" كما يقول احد المصريين. فمرسي، بحسب الرجل نفسه، لم يتحرك بالشكل المناسب لمنع أثيوبيا من بناء سد على نهر النيل الذي يمر في اراضيها، بل شكّل لجنة ثلاثية لبحث الموضوع مع الأثيوبيين وهي ماطلت دون التوصل لنتيجة، ما يهدد مصر بفقدان نسبة كبيرة من مياه النهر الاطول في العالم.

"يا ما احلى ايامك يا مبارك"،"هكذا كانوا يريدوننا ان نقول وقد وصلنا فعلاً لذلك بفعل حكم مرسي والإخوان"، يقول احد الشباب المصريين. ويرى هذا الشاب ان مرسي كان بإمكانه ان يحتضن الشعب المصري كله ويستحصل على رضاه كاملاً، لكنه اختار ان يكون رئيساً لبعض المصريين وان يضطهد الآخرين، "فبات الشعب المصري بأغلبه يعاني امنياً واقتصادياً واجتماعياً"، مضيفاً "اصلاً هل مرسي هو الحاكم؟ هو فقط يتلقى الاوامر من مرشد الإخوان".

في المقلب الآخر، يثني مناصرو محمد مرسي على ادائه "فهو الذي أبعد فلول النظام المخلوع عن الحكم، ولا ننسى تضحيات جماعة الاخوان خلال حكم مبارك حينما كانوا يعانون الأمرّين ويُزجون كل فترة وأخرى في السجون".

لا يُنكر معارضو "الإخوان" هذه الحقيقة، لكنهم يشيرون الى ان هؤلاء فشلوا فشلاً ذريعاً في الحكم واسقطوا كل مطالب الثورة، بل وعاثوا خراباً في مؤسسات الدولة أكثر مما فعل مبارك، فعلى الأقل كان الأمن مؤمناً خلال حكم الرئيس المخلوع.

ماذا بعد؟

يتحدث العديد من المصريين بفرحة عن التظاهرات التي ستُنظم رفضاً لأخونة الدولة، ويقولون ان مظاهرات مليونية ستشهدها مصر وتظهر كمّ المعارضة الكبيرة لمرسي وجماعته.

ويؤكد هؤلاء ان الانتخابات اذا جرت اليوم فلن تكون على صورة الانتخابات الاخيرة، فـ"الإخوان ظهروا على صورتهم الحقيقية ولا بد من ان يُحاسبوا، والبدلاء عنهم كثر وقادرون على حكم مصر بطريقة أفضل بكثير".

الحلم مستمر...

"لا بد لليل ان ينجلي ولا بد للقيد ان ينكسر" هذه ما زالت احلام وآمال شباب مصر وأهلها، تطلعات شعب ثار من اجل الحرية وعندما حلم بأنه وصل اليها وجد نفسه في كابوس جديد لا يقل سوءاً عن سابقه، لكن هذا الشعب المناضل لن يسكت ولن يتراجع حتى تحقيق ما يصبو اليه، دولة حرة سيدة مستقلة، دولة كلمتها لها، أمنها بيدها، دولة تحترم شعبها وكرامته، لكي تعود حينها مصر لتكون "أم الدنيا".