ليس عجباً أن يعلن رئيس دولة الأخوان في مصر محمد مرسي عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا وأن يطالب أصدقاء أصدقائه بفرض منطقة حظر جوي فوق الأرض السورية. بل العجب هو الاعتقاد بأن المصابين بفيروس غريزة التطرف يمكن أن يبرأوا منه!

يدرك الرئيس محمد مرسي أنه لا يستطيع تقديم نفسه رئيساً لجمهورية مصر العربية التي عاشت تجربة الوحدة مع سوريا وخاضت الحروب المشتركة معها ضد العدو الصهيوني لا سيما حرب تشرين التحريرية ولذلك يحرص مرسي أن يقدم نفسه رئيساً لدولة الاخوان في مصر والجميع يدرك الفارق الشاسع والتناقض الجوهري بين أولويات دولة الاخوان وأولويات دولة مصر العربية.

أولويات دولة الاخوان في مصر هي تأبيد «كمب ديفيد» و»إطراد علاقات المحبة» مع العدو الصهيوني كما جاء في نص رسالة مرسي إلى رئيس كيان العدو شيمون بيريز والتي استهلها مخاطباً الارهابي بيريز بعبارة «عزيزي وصديقي العظيم» وختمها بعبارة «صديقكم الوفي محمد مرسي» وهي الرسالة التي اعلن فيها مرسي عن انتداب سفير فوق العادة وديعة له في كيان الاحتلال بما يعني ذلك تعهداً بحماية سفارة العدو في مصر.

أما أن تقيم اثيوبيا سد «هداسي جاديب» على النيل الأزرق وأن يؤثر هذا السد على حصة مصر من المياه فمواجهة الاعتداء ليس من أولويات دولة الاخوان طالما أن فيه مصلحة لـ «إسرائيل».

وأولويات دولة الاخوان في مصر هي تشكيل بيئة حاضنة للإرهاب والتطرف وتشجيع هذه القوى على القيام بعمليات خطف وقتل تستهدف ضباط الجيش المصري وجنوده ومن ثم يقوم الرئيس مرسي وجماعته بصفقات لتحرير بعض الجنود بقصد اهانة هذا الجيش واشعاره بالوهن لكسر هيبته والنيل منه!؟

وأولويات دولة الاخوان هي تحويل مصر والمصريين إلى رهينة للبنك الدولي والمتحكمين بسياساته ووظيفة دولة الاخوان مفاقمة حالة الفقر المدقع التي يعيشها السواد الأعظم من المصريين لإذلال الشعب برغيفه ولقمة عيشه في حين يتباهى الرئيس مرسي بتخفيض سعر «المانغا» وكأنه بـ «المانغا» يحيا المصري بكرامة!!!

وحين تكون هذه أولويات مرسي وجماعته فلا عجب إن هو مارس الهرش في مجالس النساء ولا عجب إذا تبعج مواقف وقرارات تندرج ضمن سياق اولوياته الآنفة الذكر. فمن تابع خطابه في قمة عدم الانحياز قبل عام يدرك أن مرسي لا يمثل دولة مصر الحقيقية بل يمثل دولة الاخوان في مصر ومن تابع تصريحه في السعودية قبل عام ونيف يكتشف مدى اصابة هذا الرئيس بفيروس التطرف فمصر بالنسبة له دولة سنية وليست دولة حضارة عربية تضم في نسيجها محمديين ومسيحيين سنة واقباطاً وآخرين.!

ما تقدم يؤكد أن اعلان مرسي قطع العلاقات مع سوريا يندرج في سياق مسار اخواني يقوم على مبدأ التضاد الكامل مع مسار المقاومة والعروبة. ويدرك مرسي وأقرانه وجماعاتهم في بلدان عدة أن الثمن الذي يجب أن يقدموه لـ «الإسرائيلي» والأميركي مقابل السلطة هو إحداث القطيعة بين الدول العربية ونشر الفوضى والاحتراب والفتن في عموم المنطقة. وهم ملتزمون تنفيذ هذه الأجندة ودفع الثمن المطلوب منهم.

كان يمكن لمرسي أن يستسخ تجربة الاخوان في تركيا التي صمدت لعقد من الزمن لكن شخصيته الفجة تكفلت بتظهير غريزته المتطرفة فلم يجد بداً من اشهار الدور المناط به والمهام المطلوبة منه خصوصاً بعد سقوط خديعة «الاعتدال» التي شكلت رافعة لحزب العدالة والتنمية الاردوغاني ومكنته من استلاب السلطة في تركيا باسم الديمقراطية.

ما هو مؤكد أن الحرب الكونية على سوريا والتي تشن بواسطة قوى التطرف والارهاب قد كشفت عن كل الوجوه القبيحة فمنذ لحظة الهجوم على سوريا تموضع رجب طيب اردوغان وحزبه إلى جانب المجموعات الارهابية المتطرفة وأزرها بالعتاد والسلاح وسهل عبور العناصر المتطرفة المتعددة الجنسيات لتمارس القتل والذبح والاجرام في سوريا.. وها هو اليوم يواجه غضب الشعب التركي الذي يرفع الصوت عالياً بوجه تطرفه.. لكن غريزته المتطرفة منعته من الاستماع لصوت الشعب التركي فلجأ الى حشد انصاره في مشهد استفزازي يعبر عن صلافته وتطرفه.

والأمر نفسه ينطبق على محمد مرسي الذي باعلانه القطيعة مع سوريا ودعوة الأجنبي لفرض منقطة حظر جوي فوق سوريا استفز مشاعر المصريين الشرفاء ومس بكرامة الجيش المصري الذي يعتبر شراكته مع جيش سوريا في حرب 1973 في مواجهة العدو الصهيوني مفخرة له وموقعة كرامة.

أولويات المصريين الشرفاء هي أن تستعيد مصر دورها الرئيس مع سوريا من أجل خوض حرب تشرين ثانية وثالثة ورابعة حتى يتحقق النصر المؤزر وتتحرر فلسطين وكل الأرض المغتصبة من الاحتلال. ولذلك فإن مرسي وجماعته هم أصغر من أن يفرضوا قطيعة بين مصر وسوريا فكما الشعب التركي يثور ضد تطرف اردوغان فالشعب المصري يثور ضد تطرف مرسي وافعاله التي ترمي إلى تقزيم دور مصر على قياسه وجماعته.

لقد سبق وأن اعلنت تركيا وعدد من الدول العربية المتأسرلة قطع العلاقات مع سوريا واقفال السفارات كما أن جامعة الدول العربية علقت عضوية سوريا ومع ذلك لم تتراجع الدولة السورية عن قرارها بمواجهة الحرب الكونية والسير في معركة اجتثاث الارهاب والتطرف من اراضيها لذلك لن يقدم اعلان مرسي ولن يؤخر في شيء إلا أنه يضيف صوتأ جديداً ينضم إلى فصيلة الذين ينعقون مع كل ناعق.

سوريا بوقوفها إلى جانب الدول العربية وغير العربية تمنح هذه الدول بعضاً من الكرامة ووقوف أي دولة مهما علا شأنها ضد الدولة السورية هو تخل عن الكرامة.. وشعب مصر لن يسمح لمرسي وجماعته بيع الكرامة بثلاثين من الفضة لـ «إسرائيل» وحلفائها العرب والدوليين.