خلال ساعات قليلة، كُسِر "الجمود القاتل" الذي تشهده البلاد منذ بداية شهر رمضان المبارك، على مختلف الصعد، إيذانا ببدء مرحلة جديدة يُتوقّع أن تبدأ انعكاساتها بالظهور بشكل تصاعدي بعد عطلة عيد الفطر السعيد..

سياسيا، تولى رئيس الجمهورية العماد ​ميشال سليمان​ مهمّة كسر "الجمود" بخطابه لمناسبة عيد الجيش والذي "صدم" الكثيرين، خصوصا أن الرئيس ودّع فيه "اللغة الانشائية" التي كان يعتمدها انسجاما مع "رماديته"، فكانت له مواقف واضحة وتلميحات لا تقبل الشكّ "انقسم" الأفرقاء في قراءتها كالعادة، فكان "ترحيب مطلق" من فريق مقابل "تحفظ مطلق" من الفريق الآخر..

وفيما تتّجه الأنظار إلى الكلمتين المرتقبتين خلال الساعات المقبلة للأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله لمناسبة يوم القدس ورئيس تيار "المستقبل" سعد الحريري في إفطار رمضاني، واللتين قد تحملان من الأفكار والمواقف ما يمكن البناء عليه في المرحلة المقبلة، عادت "الصواريخ" لتفعل فعلتها وتكسر "الجمود الأمني"، منبئة هي الأخرى بمرحلة قد لا تكون "آمنة"، كما يتمنى جميع اللبنانيين..

صواريخ منتصف الليل..

بعد غياب "قسري" منذ بداية شهر رمضان المبارك، عاد "مسلسل" الصواريخ المتنقّلة ليحجز له مكانا في خارطة "المسلسلات" التي تضجّ بها الفضائيات العربية هذه الأيام، وهو حطّ هذه المرة في مناطق الفياضية واليرزة وبعبدا، إذ سقط صاروخ في مسبح منزل عائد للاعلامية إلهام سعيد فريحة القريب من دارة الرئيس الراحل الياس الهراوي في بعبدا ولم يتسبب انفجاره بأي ضحايا لأن المنزل كان خالياً، فيما سقط صاروخ ثانٍ قرب مقر القيادة والأركان في الريحانية دون أن يتسبب بضحايا، في حين ذكرت معلومات أنّ صاروخا ثالث سقط في اليرزة قريبا من منزل السفير السعودي.

وفي وقت شهدت المناطق التي استهدفت بالصواريخ انتشاراً عسكرياً وأمنياً واسعاً فيما تردد أن مصدر إطلاقها كان منطقة المونسة في ضهور عرمون، علمت "النشرة" ان الصواريخ الثلاثة هي من نوع غراد 107 ملم، علما أنّ المنطقة المستهدفة تشكل واحداً من أكثر المربعات الأمنية والعسكرية تحصيناً، فهي تضمّ مباني وزارة الدفاع وقيادة الجيش وقيادة الأركان وأهم الثكن العسكرية في لبنان، إضافة إلى عدد من السفارات ومنازل سفراء عرب وأجانب.

وفيما لم يصدر أي تعليق رسمي عسكري او سياسي على ما جرى، مع اقتصار التعليقات على تبني البعض لـ"روايات" تخدم "سياستهم" ولو لم تكن تستند إلى أيّ "منطق"، نقلت صحيفة "الأخبار" عن مصادر أمنية قولها أنّ الجيش يقع في دائرة استهداف جهات تعمل بين لبنان وسوريا، مع ترجيح أن يكون مطلقو الصواريخ مرتطبين بمجموعات سورية معارضة ترى في لبنان مسرحاً لعملها، وفي الجيش اللبناني عدواً لها.

سلاح المقاومة تخطى الحدود اللبنانية..

ومن الأمن إلى السياسة، التي كُسِر "جمودها" هي الأخرى مع المواقف اللافتة التي صدرت عن رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في احتفال عيد الجيش، والتي حملت معها "تصعيدا ملحوظا" قرأ فيه المراقبون "تخليا مفاجئا" عن اللغة الانشائية والرمادية التي لطالما حرص سليمان على "اعتمادها" إزاء مختلف الملفات الشائكة، ولا سيما تلك التي ينقسم حولها اللبنانيون.

هكذا، تضمّنت كلمة رئيس الجمهورية انتقادات صريحة لـ"حزب الله" الذي قال أنّ سلاحه تخطى الحدود اللبنانية وأنّ الوقت قد حان لتكون الدولة بجيشها وقيادته السياسية العليا الناظم الأساسي والمقرّر لاستعمال مقدرة المقاومة والدفاع "حصرا" عن لبنان، مشدّدا على أنّ الشهادة الحقيقية هي فقط في سبيل الوطن والدفاع عن وحدته وأرضه وعزته وما يريده الشعب اللبناني هو التضحية من أجل لبنان وما لا يريده الشعب اللبناني هو أن تروي دماء أبنائه ترابا غير تراب الوطن المقدّس.

وفي الملف الحكومي، برزت "تلميحات" من الرئيس سليمان للعمل، فهو أعلن أنه لن يبقى في ما أسماها "دوامة الانتظار" طويلا قبل الشروع في تأليف حكومة الوزن الوطني والمصلحة الوطنية لا حكومة الحصص والتوازنات السياسية، طارحا فكرة "الحكومة الحيادية" إذا تعذّر التوصّل إلى حكومة فاعلة تتمثل فيها جميع القوى الحيّة في المجتمع والفاعلة في السياسة، مشددا على ضرورة "كسر حال انتظار تبدل موازين القوى الداخلية والخارجية أو محاولة الاستنجاد بالخارج من أجل بناء سلطة وطنية وتكوينها".

وفيما "انقسمت" القراءات لمواقف سليمان هذه وسط "تأييد مطلق" له من قبل قوى "14 آذار" في مقابل "تحفظات" عبّرت عنها قوى "8 آذار"، في وقت لم يصدر أيّ موقف بعد عن "حزب الله" في هذا الصدد، تتّجه الأنظار إلى كلمة الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله مساء لمناسبة "يوم القدس" الذي يحييه الحزب في آخر يوم جمعة من شهر رمضان المبارك، على أن تتلوها كلمة ثانية لرئيس تيار "المستقبل" سعد الحريري خلال إفطارات مركزية ينظمها التيار على أن يحدّد فيها، بحسب المعلومات، مواقف وصفت بأنها على جانب من الاهمية سواء على الصعيد الوطني العام او على مستوى مسيرة "تيار المستقبل" في المرحلة المقبلة.

كلمة أخيرة..

على جري العادة، كثرت "التحليلات" و"التفسيرات" و"التأويلات" لدلالات الصواريخ الثلاثة التي سقطت في مناطق الفياضية واليرزة وبعبدا..

البعض وضعها في سياق مسلسل "استهداف الجيش" خصوصا أنها صادفت في يوم عيده وطالت مربعا أمنيا وعسكريا، فيما ذهب البعض الآخر بعيدا في "تحليلاته" وصولا حتى الحديث عن استهداف لرئيس الجمهورية على خطابه، بل "محاولة اغتيال له" كما قال النائب ​نديم الجميل​ على سبيل المثال..

يبقى الأكيد أن "الصواريخ"، وبغضّ النظر عن "استهدافاته"، تشكّل "رسالة" بأنّ الأمن المتفلت مستمرّ على "مراوحته"، لعلّ من يعتبر قبل فوات الأوان!