ضرب مرض فقدان المناعة لبنان في مجالات عدة، ابرزها السياسة والامن. هذا الاستنتاج يعود الى دوائر ديبلوماسية غير لبنانية معتمدة في بيروت، نقل عنها استغرابها تعطيل مجلس النواب وتعثر تشكيل الحكومة وتزايد الاخطار الامنية التي انتقلت من الخروق السورية للحدود اللبنانية سواء في البقاع الشرقي او الشمال الى امن الضاحية الجنوبية. والذريعة التي تساق لتبرير عدم انعقاد الجلسات هي تمسك رئيس المجلس نبيه بري بجدول اعمال للمناقشة لا يقبل ان يحذف منه اي بند ولا ان يضيف آخر، وهذا الاصرار يرفضه ليس فقط قوى 14 آذار، بل ايضا رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ورئيس "تكتل التغيير والاصلاح" النائب ميشال عون.

واعتبر سفراء اوروبيون معتمدون لدى لبنان انه يفترض بالرئيس بري ان ينتهج اسلوبا آخر بالتجاوب مع ما يريده اكثرية النواب، ما دام الخلاف هو على الشكل وليس على المضمون او على قضية تمس السيادة والامن القومي. واكد هؤلاء ان بري معروف بحنكته وباسلوبه المرن، وان العناد في موقفه او لدى الطرف الاخر يؤذي العمل البرلماني الذي يجب ان يكون ناشطا الى جانب السلطة التنفيذية لانشاء حصن في وجه جر لبنان الى الاقتتال المرتبط بالازمة السورية والانقسام في صفوف القوى السياسية اللبنانية، بين مؤيد للنظام ومؤيد للمعارضة.

ودعا السفراء رئيس المجلس الى تجاوز الزعم بان وضع القضايا على جدول اعمال الجلسة هو من صلاحياته ولا علاقة لبقية الكتل البرلمانية باي اقتراح لادخاله على جدول الجلسات المخصصة للمناقشات في ظل حكومة تصريف اعمال.

واعرب بعض السفراء الاوروبيين عن استغرابهم الشديد ايضا لاصابة تشكيل الحكومة بالعجز المتمادي كلما طال موعد التأليف.

صحيح ان التأخير سبق ان حصل مع الرئيس سعد الحريري وسواه، لكن ليس في ظروف كالتي تعيشها البلاد في الوقت الحاضر والخوف من حالة الانزلاق، الى اقتتال مذهبي او تفجير سيارات مفخخة.

واعربوا عن دهشتهم لما يطرح في التداول السياسي والاعلامي حول تأخر عملية التأليف والاسباب المانعة وفي مقدمها ارتباطها بمدى التقارب السعودي – الايراني، ثم علاقتها بالوضع السوري الميداني، اي رؤية القوات النظامية تقضي على العناصر المتطرفة التي تقابلها، وترعب في الوقت عينه اميركا وفرنسا وبريطانيا وسواها، وان فرصة اعطيت للرئيس بشار الاسد للقضاء عليها، وانطلاقا من الواقع الجديد اذا تحقق، يصبح الجلوس حول طاولة الحوار مع المعارضة اسهل. وثالث الاسباب هو تمسك "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" بالتمثل في الحكومة ولو بقيت البلاد اشهرا من دونها، لان ابعاد الحزب يعني تنفيذاً لمطالب واشنطن والرياض ومن دار في فلكهما. ويعتبر هؤلاء ان الاستقرار الامني هو اكثر المجالات التي اصيبت بداء فقدان المناعة بعد انفجار سيارتين مفخختين في الضاحية، المحصنة امنيا عبر ممراتها المؤدية الى داخلها، باستثناء ما تعرضت له من قصف جوي اسرائيلي كان آخره خلال حرب تموز 2006، اضافة الى الخرق اليومي لسماء الضاحية لالتقاط الصور وتحليلها وتخزين معلومات هي بمثابة "بنك اهداف" لاستعماله عندما تقرر اسرائيل شن عدوان جديد على البلاد.

وحمل هؤلاء مسؤولية فقدان المناعة الذي يحدث فراغا سياسيا متزايدا وخللاً امنيا بالغ الخطورة لعدد من قادة الاحزاب والتيارات والحركات السياسية الذين يشتهون الاستيزار لجبه الاميركيين والاوروبيين والعرب الرافضين استمرار قتال الحزب في سوريا او تمسكهم بحقائب وزارية معينة كالطاقة والاتصالات، نظرا الى اهميتها التي فاقت الحقائب السيادية المتعارف عليها. ولاحظوا ان المخاطر الامنية لم تعد تقتصر على جبهتي عرسال وطرابلس، بل طالت امن الضاحية الجنوبية بتفجير سيارتين حتى الآن.