لا أحدَ إلاّ وكانَ يعلمُ في شكلٍ أو آخر بتدنّي أداءِ المتعلّمين في اللّغة العربيّة بينَ متعلّمي المدارسِ في لبنان، لا بلّ في القُطرِ العربيِّ مجتمعًا... والتّربويّون كما المُتابعون في مجالِ التّربية كانوا على علمٍ بالمؤتمراتِ العربيّةِ لتشجيعِ الإقبالِ على "اللّغة الأم"، وإنْ كانَت كلُّ المؤتمرات لم تصلْ بعدُ إلى الغاية المرجوّة، غيرَ أنّ ذلك شأنٌ آخر.

لكنّ أحدًا ما كانَ يتوقّعُ أنْ نصلَ إلى هذا الدّرْكِ من "الإجرامِ" في حقِّ المتعلّمين، كما حدثَ في الامتحاناتِ الرّسميّةِ عام 2013، الشّهادةَ المتوسّطة، الدّورة العاديّة... ولقَد كُنتُ أعلَمُ أنّ الفضيحَةَ تلك سيُستَّرُ عليها – كالعادة، وعلى رغم ذَلك آثرتُ التريّثَ في استصدار الحكم!

لن أتوقّفَ عند "خطرِ الاقتباسِ" على النّصِّ في الامتحانِ الرّسميِّ المذكور، والتّغييراتِ الّتي تلحق به بدءًا من أدوات الرّبط مرورًا بمفاصلِ النّصِّ وعباراتِه... ولن أتوقّفَ عند عدمِ ضبطِ النّصِّ في الشّكلِ التّامِ بالنّسبةِ إلى الكلماتِ الواجبِ تحريكُها بالضّرورةِ (كرسم السّكون على لامِ الأمر في فعل "فلأشقّ" منعًا للالتباس مع لام التّعليل)... كما وأنّني سأتناسَى أنّ اللّجنةَ الفاحصَة استخدَمَت خطأً ميم الذّكور العاقل في الحديثِ عَن غيرِ العاقل (الفراخ وتعليمهم...) وأنَّها طلبَت من المتعلّم أنْ يوثّق النّص من دون ذكرِ عبارة "بالاستناد إلى العنوان والحواشي (تسهيلاً)، وأنّها وقعَت في الخطأ الإعرابيّ إذ اعتبرَت أنّ الجملة الفعليّة "يؤدّي" خبرًا للمبتدأ "إقدام"، فيما هي في الواقعِ خبرٌ للمبتدأ "إحترام"... كلُّ ذلكَ سبقني إلى ذكرِه أستاذي الدّكتور جوزف الياس، وأنا أوافقُه في كلِّ ما قالَ، بدليلِ النّسبةِ الهزيلةِ للنّاجحينَ الّتي لا تتعدّى الـ 27،97 % في بيروت، والـ 28،26 % في كلِّ لبنان.

لكنّني سأعرضُ للموضوعِ من زاويةٍ أخرَى، هي زاويةُ العلّةِ السّياسيّةِ الّتي هي سببُ كلِّ داءٍ، وقد تمدَّدَ انتشارُ سَرَطانِها في الجسمِ التّربويِّ – التّعليميِّ، وهي تنهشُهُ لفترةٍ طويلةٍ خَلَتْ!

ففضيحةٌ كهذِه تهزُّ العروشَ في الدّولِ الرّاقيةِ، فيُبادرُ وزيرُ التّربيةِ أوّلاً إلى الاستقالةِ، أمّا عندَنا فالحكومةُ مستقيلةٌ أصلاً، وهيَ تنأى بنفسِها عن المحاسبةِ والمساءلةِ في كلِّ الأمورِ...

وتَقفُ حدودُ المساءلةِ في بلادِي عندَ رئيسِ اللجنةِ الفاحصةِ، "فيطيرُ" أعضاءُ "لجنةٍ فاسدةٍ"، ويبقَى رئيسُها المدعومُ من جهةٍ سياسيّةٍ نافذةٍ، متربّعًا على عرشِ الفسادِ والإفسادِ... كما ويقتنِصُ عددٌ من المؤسّساتِ التّربويّةِ الفرصَةَ لـ "تطييرِ" معلّمٍ مِن هُنا، ومعلّمةٍ مِن هُناك، متذرّعين بنتائجِ متعلّميهِم في الامتحانِ الرّسميِّ للشّهادةِ المتوسّطةِ – لغة عربيّة، وبالأحرى... لغايةٍ قي "نفسِ يعقوب"!

والأنكَى أنّ الجهةَ السّياسيَّةَ الدّاعمةَ لرئيسِ اللجنة، تدعمُ في الوقتِ نفسِه معارضيه، واقفةً على مسافةٍ مُتساويةٍ بين النّقيضَين، لحساباتٍ انتخابيّةٍ... يُراجعُها وفدٌ شاجِبٌ لـ "الجريمةِ" التّربويّةِ، فيقفُ المرجعُ السّياسيُّ إلى جانبِه، على اعتبارِ أنّ للمرجعِ المذكورِ باعًا طويلاً في مجال التّربيةِ كما في الدّفاعِ عن اللّغةِ الأم، وقَد أعدَّ مؤتمراتٍ لغويّةً وإنْ لم تأتِ بالثّمارِ المرجوّة... فالمهمُّ تطويعُ التّربيةِ خدمةً للمآربِ السّياسيّة!

كما ويدعمُ المرجَعُ نفسهُ رئيسَ اللجنةِ الفاحصةِ، وإنْ شكَّلَ أعضاءُ اللجنةِ كبشَ محرقةِ "المصالحِ"، فالغايةُ ما باتَت تبرّرُ الوسيلةَ فقط، بل وتطيحُ بالمتعلّمينَ ومعلّميهِم ولا ترحمُ اللغة ولا تستثني الإرثَ التّربويّ من شرِّها المُستَطير...

أضِفْ إلى ذلكَ أنّ الجميعَ يتكلّمُ من منطلقٍ سياسيٍّ، وقد غابَ الحقلُ المعجميُّ الخاصّ بالتّربيةِ من قاموسِهم، واستبدلوه بلُغةٍ إقصائيّة فيها ما فيها من الإيحاءاتِ "الحربيّةِ" والشّحنِ المتخفّي وراء ستارِ التَّعليم... إلاّ ما ندرَ مِن التّربويّين من ذوي الأصواتِ الصّارخةِ في بريّة "هاجوج وماجوج".

إذا بقيَ وضعُ الامتحانات الرّسميّةِ في لبنان على ما هو الآن – أيُّها السّادةُ – فعلى الوطنِ السّلامُ، ومدينةُ الحرفِ منّا براء!

* إعلاميّ وتربويّ