التفجير الانتحاري الذي وقع في محطة محروقات في مدينة الهرمل تقع على مقربة من مدارس الأيتام، هو تحدّ إرهابي غاية في الخطورة، فقد سبق للمجموعات الإرهابية المتطرفة أن هدّدت بسلسلة تفجيرات تستهدف المدارس والمؤسسات التجارية والسياحية بمن فيها من مدنيين أبرياء، أطفالاً ونساءً، رجالاً وشيوخاً.

والحال، أنه بعد كلّ تفجير إرهابي تهرع فرق الإسعاف والإطفاء، لإنقاذ المصابين وإطفاء الحرائق، وتنشغل المستشفيات باستقبال المصابين وتضميد جراحهم النازفة، وتنضمّ أسماء جديدة الى قوائم الشهداء.

والحال أيضاً، هو حضور أجهزة الدولة المعنية، وفرض طوق أمني حول المكان، وإجراء التحقيقات اللازمة لكشف المجرمين، وذلك بالتزامن مع موجة استنكار وشجب تأتي من كلّ حدب وصوب، من السياسيين اللبنانيين على اختلافهم، ومن مجلس الأمن الدولي والمسؤولين الدوليين، وحتى من اولئك الذين يدعمون الإرهاب والتطرف!

كلّ هذا المشهد يختصره بيان صادر عن إرهابيّي «النصرة» أو إرهابيّي «داعش»، يُقرّ بالمسؤولية عن هذا التفجير الإرهابي وعن ذاك، ويتبنى قتل الأطفال والنساء.. ورغم ذلك لا تتبدّل نمطية الاستنكار الغربي باتجاه موقف واضح في مواجهة الإرهاب، كما أنّ سلوك بعض الداخل لا يتغيّر نتيجة فداحة هذا الخطر الهدّام. ما يعني أنّ القوى الدولية التي تدّعي الدفاع عن الإنسان وحقوقه، ومن يدور في فلكها عربياً ومحلياً، غير عابئين بالدماء التي تُراق ولا بالأرواح التي تُزهق.. ليس في لبنان وحسب بل في الشام والعراق وفلسطين.

البحث عن جنس الإرهابيين ليس بالأمر الصعب، فهم معروفون، ومعروف من يرعاهم ويموّلهم ويزوّدهم بالسلاح ويسهّل حركتهم، وإذا كان هناك إرادة غربية للمساعدة في محاربة الإرهاب، فهذا يستوجب وقف تمويلهم وتسليحهم، وتركيا والسعودية وقطر أعجز من أن يرفضوا أمراً أميركياً ـ غربياً بوقف دعم الإرهاب والتطرف.

لو أنّ الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها الغربيين عازمون فعلاً على محاربة الإرهاب، لما كان هناك إرهاب له امتداد واسع وأذرع متعدّدة. فالإدارة الأميركية تخادع الرأي العام العالمي حين تتحدث عن خطر إرهاب هي مسؤولة عن دعمه ورعايته، وعندما يناقش أصحاب القرار في فرنسا وبريطانيا تداعيات ارتداد الإرهاب فهم يخدعون شعوبهم، لأنهم في الموقع ذاته مع الإرهاب والتطرف.

كان يمكن أن يشكل مؤتمر «جنيف -2» منصة حقيقية لمحاربة الإرهاب، فالوفد الذي مثّل الدولة السورية في المؤتمر حمل بيد الرغبة الصادقة بحلّ الأزمة عبر استعادة السوريين المضللين، وحمل باليد الأخرى كلّ ملفات المجموعات الإرهابية المتطرفة، وما اقترفت من أعمال إجرام وقتل بحق السوريين بالحقائق والوقائع، إلا أنّ ما حصل في «جنيف- 2 « هو أنّ واشنطن وحلفاءها وأدواتهم كانوا في ضفة الإرهاب والإرهابيين! وهذا يؤكد أنّ الغرب غير صادق حين يتحدّث عن خطر الإرهاب والتطرف ووجوب محاربتهما.

الإرهاب في سورية والعراق، هو نفسه في لبنان، والكلام المتكرّر عن حرص الولايات المتحدة وحلفائها على استقرار لبنان ليس ذا قيمة، فمن يدعم الإرهابيين في سورية والعراق يتحمّل مسؤولية مباشرة عن مسلسل التفجيرات الإرهابية في لبنان.

وفي لبنان فإنّ انكشافه سياسياً وّلد انكشافاً أمنياً استفادت منه قوى الإرهاب والتطرف لتنفيذ أعمال إرهابية تشكل خطراً على لبنان واللبنانيين. وكان بالإمكان تفادي هذا الخطر، لو أنّ أطرافاً لبنانية معروفة، لم تتورّط علانية في دعم المجموعات المتطرفة التي تعيث إرهاباً في سوريا، ولم تلتحق بركب السياسات الغربية المناهضة للمقاومة. وكما هو معلوم فإنّ رهان فريق من اللبنانيين على قوة الخارج، وتوهّمه أنّ تحصيل مكاسب سلطوية قد تمكّنه من استبدال خيارات لبنان وثوابته بخيارات وثوابت نقيضة، جعله يوغل في التحريض والشحن والتوتير الداخلي، وفي دفع لبنان نحو آتون الفتنة، وكلّ ذلك حصل برعاية ومؤازرة من قبل الغرب ومن قبل دول عربية متأسرلة.

الآن، لبنان على فوهة الحرائق التي تتسبّب بها التفجيرات التي تنفذها قوى الإرهاب والتطرف وتعلن مسؤوليتها عنها، والخطر يتهدّد اللبنانيين جميعاً من دون استثناء، فحدّ القتل في قاموس المجموعات الإرهابية المتطرفة لا يقع على أهل الهرمل وحسب، بل يطال اللبنانيين جميعاً.

أضعف الإيمان أن يبادر بعض القوى السياسية في لبنان إلى التبرّؤ من دعم المجموعات الإرهابية المتطرفة في سوريا التي تقيم حدّ القتل على السوريين.

وأضعف الإيمان أن يعمل هذا البعض من اللبنانيين من أجل الوصول إلى إقامة حزام أمان وطني يحمي استقرار لبنان وسلمه الأهلي، ويمنع أحزمة الإجرام والقتل من الانفجار وإشعال الحرائق الكبرى.

أضعف الإيمان تشكيل حكومة جامعة تتمثل فيها كلّ القوى في لبنان، حتى تكون قادرة على إنجاز الاستحقاقات الوطنية على كلّ المستويات، بما يحصّن لبنان ويحفظ وحدته ويصون خياراته وثوابته وعناصر قوته. فالمصلحة الوطنية تقتضي تحقيق هذا الأمر، وتقتضي أيضاً دعم الجيش اللبناني والالتفاف حوله وحول مؤسسات الدولة من أجل القيام بالمهام المطلوبة وطنياً لحماية البلد من خطر «إسرائيل» وخطر الإرهاب والتطرف.

مواجهة الإرهاب والتطرف وإدانة إجرامهما، لا يتمّان فقط عبر الكلام، بل بالوحدة والتآزر، فهل يتوحّد اللبنانيون من أجل درء خطر الإرهاب؟