أطلّ رئيس الحكومة الأسبق ​سعد الحريري​ في ذكرى اغتيال والده في خطابٍ انتظره اللبنانيون جميعًا، وخصوصًا بعد انسداد الأفق أمام تشكيل حكومةٍ جديدةٍ برئاسة تمام سلام، نتيجة ظهور عراقيل بدت وكأنّها لا تنتهي.

وإذا كان خطاب الحريري مُنتظرًا من قبل خصومه في السياسة، وكذلك حلفائه الذين تشهد العلاقة معهم فتورا، تحديدًا بعد أن قبل الحريري بالجلوس مع "حزب الله" في حكومة واحدة، فإنّ اللافت كان عدم تطرق رئيس تيار "المستقبل" في كلامه للموضوع الحكومي لا من قريب ولا من بعيد، بل تفضيله التركيز على استحقاق رئاسة الجمهورية.

"الرئاسة أولا"، مصطلحٌ لم يطرحه الحريري بشكل مباشر، ولكنّ إسهابه في تحديد مواصفات رئيس الجمهورية الجديد جعل من هذا الاستحقاق أولوية لدى تيار "المستقبل". وعند الحديث عن تقديم الاستحقاق الرئاسي على الموضوع الحكومي، يتلاقى بذلك مع الطرح العائد لرئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي طالب الافرقاء اللبنانيين في ظل تعثر تشكيل الحكومة، بالعمل على تقديم موعد ​الانتخابات الرئاسية​، من أجل عدم الوقوع في الفراغ، كما أن بكركي التي طرحت مذكرة، عرضت فيها الثوابت الوطنية، فانها شددت بدورها على عدم الوقوع في الفراغ بالموقع الماروني الاول في لبنان. بالتالي، فإنّ طرح الحريري للموضوع الرئاسي كأولوية لن يكون موضوعا خلافيا، بعدما بات الجميع مقتنعا ومطالبا بعدم افراغ هذا الموقع.

ومن الملفت ايضا أنّ الحريري تحدث باسم تيار "المستقبل" لأول مرة في مثل هذه المناسبات، مبتعدًا أقلّه كلاميًّا عن قوى "14 اذار"، إلا أنّ الابرز في خطابه، كان تحديده لمواصفات الرئيس الجديد، حيث أراده الحريري أن يمثل "الارادة الوطنية للمسيحيين".

من هنا، فإنّ رئيس تيار "المستقبل"، وبحديثه عن الرئيس المقبل، حدد مواصفاته دون الاشتراط بان يكون من ضمن فريقه السياسي أي "14 اذار"، إنما ركز على الارادة المسيحية، بالتالي فان البحث عن هكذا مرشح لن يكون صعبا نسبة للعديد من المؤشرات اللبنانية والدولية منها.

وعلى اعتبار أن الاستحقاقات اللبنانية يجب أن تحظى بدعم دولي، خصوصًا في ظلّ المتغيّرات التي مرّت بها منطقة الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة، فإنّ الأكيد هو وجود توافق دولي شامل على ضرورة مكافحة الإرهاب الذي يضرب هذه المنطقة. ومن هنا، لم يكن غريباً دعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمشير عبد الفتاح السيسي للانتخابات الرئاسية في مصر وخصوصا بعد ان اصبح هذا الاخير مطالبا من قبل شعبه بالترشح للرئاسة بعد معركته مع تنظيم "الاخوان المسلمين" الذي صنف مؤخرا على انه "إرهابي".

ولم يكن مستغربا أيضًا أن تقدّم أميركا كلّ هذا الدعم العسكري والسياسي لمعركة الجيش العراقي مع تنظيم "داعش" الارهابي في محافظة الانبار، كما أن الدول الكبرى رغم موقفها المتعارض بشأن الازمة السورية، إلا أنها متفقة على ضرورة المحافظة على الجيش السوري الذي يخوض اليوم معركة مع الارهاب، وخصوصا بعد ان اصبحت سوريا ارضا تسرح وتمرح فيها الجماعات المتطرفة.

وانطلاقاً من ذلك، يتساءل المراقبون عمّا إذا كان المشهد نفسه سينعكس على لبنان، وبالتالي عن المرشحين المحتملين الذين قد يحظون بالرضى الدولي في هذه الحال. ولكنّ السؤال الذي يبدو ملحًا قبل كلّ ذلك هو: هل سيؤدّي تقاطع المصالح اللبنانية والدولية الى انتخاب رئيسٍ للجمهورية في الموعد المحدد، أم ان اللحظات الاخيرة ستوقع لبنان في الفراغ، كما حصل في الموضوع الحكومي؟