كيفما تجوّلت في القرى والبلدات الجنوبية في هذه الآونة، تشاهد ورشاً عائلية تعمل على زراعة التبغ، إذ تعجّ قرى وبلدات الجنوب في موسم التبغ بالحيوية والنشاط الزراعي الذي تعود عليه الجنوبيون منذ القدم بعدما ورثوا هذه الزراعة المضنية والمكلفة عن آبائهم وأجدادهم.

ففي مشهدٍ يدلّ على نبض الحياة والنهوض الزراعي، ترى المزارعين منتشرين في هذه الأيام في بلدات يحمر الشقيف، كفرتبنيت، الزوطرين الشرقية والغربية، عدشيت، ميفذون، وغيرها من القرى امتدادا حتى ميس الجبل ورميش، يبدأون عملهم في الساعات الاولى من الصباح ولا ينتهون إلا مع الليل، يقفون في صفوف طويلة، يزرعون شتلات التبغ بأهداب العيون للحفاظ على هذه الزراعة التي شكلت وما تزال مورد رزق وحيد للعديد من الجنوبيين، وهي التي بدأت بالتراجع، حسبما يقول رئيس اتحاد نقابات مزارعي التبغ في لبنان ونائب رئيس الاتحاد العمالي العام في لبنان الحاج ​حسن فقيه​ نتيجة ارتفاع اكلافها ومتطلباتها التي تكاد توازي ثمن تسليم الانتاج نهاية كل موسم، مؤكدا السعي لزيادة السعر الوسطي للكيلو الى 15500 على الاقل هذا الموسم.

عنوان لصمود الجنوبي

وفي حديث لـ"النشرة"، أعلن فقيه عن تحرّك باتجاه وزارة المال ورئاسة الحكومة ورئيس مجلس النواب نبيه بري الذي دعم شتلة التبغ وما زال لانها عنوان لصمود الجنوبي في أرضه، مشيراً إلى أنّ الهدف من هذا التحرّك هو الضغط لتعديل الأسعار، "فإذا كانت علبة الدخان في ارتفاع وكل شيء أيضًا ممّا تطلبه هذه الزراعة من عمال ومياه وحراثة واسمدة وبذار ومازوت في ارتفاع، يصبح من الطبيعي أن ترفع الدولة الأسعار لمزارعي التبغ لكي يعيشوا في حياة كريمة في ظلّ الجهود التي يبذلونها مع عائلاتهم".

وأشار فقيه إلى أنّ هذه الزراعة هي لقمة العيش المرّة التي تحقق استقرارًا واستمرارية للوجود في الريف وتساهم في بقاء المزارعين في أرضهم خصوصاً في القرى النائية في أقاصي الجنوب والبقاع وعكار، ولفت إلى أنّ عدد المزارعين اللبنانيين الذين يعملون في زراعة التبغ في لبنان هم 25 ألف عائلة موزّعين كما يلي 5500 في الشمال، 5300 في البقاع، وحوالي 16 الف و800 عائلة في الجنوب، واذا كان معدل العائلة المزارعة 6 افراد فان العاملين في هذه الزراعة يصل الى 170 الف مزارع، فضلا عن أنّ الذين يستفيدون من حركة الزراعة يصلون الى نسبة مماثلة وهؤلاء جميعا يخلقون حركة اقتصادية في المناطق الريفية خصوصا.

مساحات لم تنظف

وإذ ذكّر فقيه بأنه طالب بزيادة المساحات المزروعة الا انه كان هناك عزوف من المزارعين لان الاسعار لم تتقدم اضطرادا، شرح معاناة مزارعي التبغ، ففي الجنوب مساحات كبرى من الاراضي المزروعة بالقنابل العنقودية وحتى الان لم تنظف، وبالتالي ليست كل الأرض متوفرة للزراعة، وأعطى مثالاً على ذلك بلدة عيترون الحدودية حيث تتمّ الزراعات في المناطق المحاذية للشريط الشائك، لافتاً إلى أنّ هذه القنابل والألغام تسبّب خطراً دائماً على المزارعين عموماً ومزارعي التبغ خصوصاً الذين قضى العديد منهم وأصيب آخرون منهم باعاقات نتيجة القنابل العنقودية الاسرائيلية.

وأكد فقيه أنّ هناك ضرورة للاهتمام بالزراعة ككل سيما وان المتساقطات كانت قليلة حتى بالنسبة للزراعات الموسمية، وهذا ما يوجب على الدولة أن تسرع في إعداد الخطط والبرامج المائية ومنها البرك السطحية حتى يكون هناك زراعات مساعدة وزراعات موسمية، وهذا للاسف ما لم تقم به الدولة.

16 ألف و800 عائلة تعتاش من هذه الزراعة

إلى ذلك، لفت فقيه إلى أنّ المساحة المزروعة تبغا في الحنوب تصل الى 50 الف دونم، مذكّرا بأنّ كمية الانتاج من التبغ في الجنوب كانت العام الماضي 5 ملايين و400 ألف كلغ وهي تراجعت هذه السنة مع بدء الزراعة، لاسباب عديدة اهمها ارتفاع اجرة الايدي العاملة والمياه والاسمدة والحراثة والمازوت وغيرها تتطلبها هذه الزراعة، لافتا الى ان 16 الف و800 عائلة تعتاش بشكل مباشر من هذه الزراعة وثمة اخرين يستفيدون من هذه الزراعة من خلال العمل الذي تتطلبه والمراحل التي تمر بها وصولا حتى قطاف موسم التبغ.

وأوضح فقيه ان المعدل الوسطي لسعر كليو التبغ الواحد بلغ العام الماضي 12500 ليرة لبنانية، اي بزيادة الف ليرة عما كان عليه في الموسم الذي سبقه، وان هذه الزيادة كانت بفضل المساعي التي بذلها رئيس المجلس النيابي نبيه بري ووزارة المالية وادارة حصر التبغ والتنباك، وطالب هذا الموسم بزيادة الاسعار للمزارعين وان يكون هناك اهتمام بالزراعة من قبل الدولة ورعاية المزارعين بادخالهم بالضمان الصحي والاجتماعي الذي اقر لهم عام 2000 من قبل الصندوق المذكور والذي ارسله الى مجلس الوزراء وما زال في الادراج، وقال: "اجتمعنا مع وزير العمل السابق وطرحنا عليه هذا المشروع لتوسيع التقديمات الاجتماعية للمزارعين مع صيادي الاسماك وسوف نستكمل هذا البحث بجدية مع الحكومة الحالية".

وأكد فقيه أن هذه الزراعة ادخلت الى الخزينة العام الماضي 400 مليون دولار اميركي، وهي زراعة مربحة للدولة لكنها لا تسد رمق المزارعين، الا انها ورغم ذلك تبقى داعمة للاستقرار الاجتماعي في الجنوب نوعا ما، كما نوّه بتعاون الادارة مع نقابات مزارعي التبغ في لبنان من اجل تحسين الزراعة للوصول الى جودة اعلى في الانتاج.

لتشجيع الزراعة ودعمها

من جهته، طالب امين سر نقابة مزارعي التبغ في الجنوب حبيب ياغي بتشجيع هذه الزراعة ودعمها واعطاء رخص جديدة للمزارعين لكي توزع على المعوزين والفقراء ليزداد عدد المزارعين العاملين في هذه الزراعة رغم أنها متعبة ومضنية في آن.

وطالب العديد من مزارعي التبغ في يحمر وكفرتبنيت والزوطرين وميس الجبل وقبريخا ورميش الدولة ووزارة المالية برفع الاسعار لهذا الموسم لان اكلاف الزراعة في ارتفاع مستمر وهي لا توازي التعب والسهر ولا بديل عنها لانها زراعة عائلية تعمل فيها العائلة باكملها من الصغير الى الكبير ويتداخل الموسم الزراعي بموسم تسليم التبغ.

شكاوى ومناشدات

أما المزارعون فقد اشتكوا من بقاء الأسعار كما كانت عليه منذ عشرين عاماً مع تعديل طفيف العام الماضي لا يوازي التعب وارتفاع الكلفة، مناشدين المسؤولين المعنيين في وزارة المال وإدارة الريجي العمل على رفع الاسعار بما يتناسب مع أكلاف زراعة التبغ المرتفعة دوماً، مما يؤدي إلى تكبدهم خسائر فادحة.

وفي هذا السياق، اعتبر المزراع حسن ناصر أن المزارعين لا يقدمون على زراعة التبغ حباً بها، بل لأنها الزراعة الوحيدة التي يسهل تسويقها، لا سيما بعد سياسة الدعم التي اعتمدتها الدولة في شرائها للمحصول من سنوات عديدة، مطالباً رؤساء الجمهورية والحكومة والمجلس النيابي والمسؤولين في وزارة المالية وإدارة الريجي بمواصلة دعم هذه الزراعة باعتبارها الخيار المتبقي للمزارعين الجنوبيين.

وشدد المزارع عباس حمامص على مطالبة المسؤولين المعنيين بالعمل بالسرعة القصوى على إدخال المزارعين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، لكي يضمنوا عائلاتهم على الصعيدين الصحي والاجتماعي، وبإنشاء بنك لتسليف المزارعين بفائدة لا تتجاوز الواحد في المئة، ورفع سقف إنتاج الدونم الواحد من التبغ، إضافة لمساعدة المزارعين بالأسمدة والمبيدات والأدوية الزراعية.