في ذكرى 13 نيسان، يؤكد اللبنانيون إصرارهم القوي على رفض العودة إلى الحرب الأهلية وويلاتها. وقد نجحوا في منع اندلاعها مجدداً، رغم توافر الكثير من الشروط والعوامل التي تدفع باتجاه حصولها، والمتمثلة باحتدام الصراع على خيارات لبنان الوطنية، والتي عبّر عنها بالانقسام الحاصل بين فريق سياسي وشعبي عريض تراه يصطف في محور المقاومة ضد العدو الصهيوني، ومشاريع الهيمنة والوصاية الغربية على لبنان. وبين فريق آخر اصطف في المحور المعادي للمقاومة والساعي إلى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وإحياء مقولة قوة لبنان في ضعفه.

وكان واضحاً أن انتصار المقاومة على العدو الصهيوني عام 2000 بتحرير معظم الأرض اللبنانية المحتلة وانتصارها على الحرب الصهيونية ـ الأميركية ـ الغربية المدعومة عربياً ومن بعض القوى السياسية اللبنانية عام 2006، قد شكل العامل الأساس في إحباط مخطط إعادة لبنان إلى زمن قوته ضعفه، وقد تولّد عن انتصار المقاومة تكريس مثلث الجيش والشعب والمقاومة، الذي شكّل القوة التي ساهمت في التحرير والانتصار على العدو، وفي الوقت نفسه، أخلت بميزان القوى الداخلي الذي حمى السلم الأهلي في الداخل وحال دون عودة الحرب الأهلية.. واستطراداً منع سقوط لبنان مجدداً في فلك الوصاية الأميركية الغربية.

وقد جاء تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة تمام سلام ليثبت هذه المعادلة، من خلال الإقرار بحق المواطنين اللبنانيين في مقاومة الاحتلال، والذي لم يكن ليحصل لولا نجاح محور المقاومة في ضد الحرب الإرهابية على سورية، التي استهدفت عبر محاولة إسقاط الدولة الوطنية السورية كسر ضهره محور المقاومة وإعادة إنعاش زمن الاستعمار والوصاية الغربية على سورية ولبنان. وبالتالي العودة إلى الانقضاض على المقاومة في لبنان.

ولا شك أن صمود سورية، وفشل أهداف الحرب الإرهابية، قد انعكس إيجاباً على لبنان في تعزيز محور القوى الوطنية والمقاومة من ناحية، وأخلّ بالمعادلة الداخلية لصالح قوى المجتمع الرافضة لخيار عودة لبنان إلى الغرق مجدداً، في مستنقع الحرب الأهلية من ناحية ثانية.

من هنا شكلت هذه التطورات الإيجابية الدافع الأساسي في توفير الغطاء الرسمي والشعبي للجيش اللبناني والقوى الأمنية لتنفيذ الخطة الأمنية في الشمال والبقاع، ورفع الغطاء عن المجموعات المسلّحة والإرهابية، واستطراداً وضع حد لهيمنة وتسلّط الجماعات المسلحة والإرهابية التي روّعت المواطنين على مدى 4 سنوات ماضية وسعت لاشعال نار الفتنة، وكانت تحظى بدعم القوى المرتبطة بمحاور إقليمية ودولية ساعية لإسقاط خيار المقاومة وربط لبنان بالكامل بعجلة التبعية للغرب، وليكون جزءاً من الاستراتيجية الأميركية العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية في المنطقة.

على أن هذه النجاحات لمثلث الجيش والشعب والمقاومة في حماية خيارات لبنان الوطنية، والحفاظ على سلمه الأهلي ومنع عودته إلى آتون الحرب الأهلية المدمرة، يستدعي ملاقاتها بتغييرات سياسية واقتصادية واجتماعية داخلية، تعزّز منعة لبنان وتجعله أكثر قوة في مواجهة محاولات الانقلاب على خياراته الوطنية العربية المقاومة.

فالأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بلبنان، هي من نتاج سياسات النيوليبرالية التي اجتاحت العالم والمنطقة مع تفكك الاتحاد السوفياتي وهيمنة الولايات المتحدة الأميركية على العالم في العقدين الماضيين، وقد أدت هذه السياسات إلى مفاقمة الدين العام في لبنان ومزيد من الانحراف في اعتماد سياسات الاقتصاد الريعي، على حساب الاقتصاد الإنتاجي زراعة ـ صناعة ـ سياحة المنتج للقيمة المضافة. ما أغرق لبنان في دين بلغ اليوم عتبة 64 مليار دولار، وفي فوائد زادت من عجز الموازنة، وما زاد الطين بلّة اعتماد قوانين ضرائبية، تعفي أكبر شركة عقارية سوليدير من دفعها، في حين جاءت ضريبة الـ TVA لتزيد من التضخم ورفع أكلاف المعيشة، ولتحدث،استطراداً، انهياراً في القدرة الشرائية للأجر، من دون أن ُتقدم الدولة على تصحيحه بمستوى ما حصل من تراجع في قيمته الشرائية.

وقد أدى كل ذلك إلى زيادة نسبة البطالة وهجرة الخريجين إلى الخارج.

على أن هذه الأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية لا يمكن حلها بالمسكنات، وهي تحتاج إلى حلول جذرية، أقلها إعادة النظر بالسياسات الاقتصادية الريعية. بحيث يتم دعم قطاعات الإنتاج، وتقديم التحفيزات للاقطاع الزراعي للاتجاه نحو التصنيع، واعتماد قوانين ضريبية عادلة، تستند إلى الضريبة التصاعدية وموجهة للاستثمار في القطاعات المنتجة لزيادة معدلات النمو وفرص العمل واستطراداً تنشيط السياحة، إلى جانب الإسراع بإستخراج النفط والغاز لتعزيز التنمية والتخلّص من عبء الدين.

أما على صعيد الأزمة السياسية فقد بات من الملح اجراء اصلاح في بنية النظام الطائفي الذي يقوم على احتكار التمثيل النيابي لاعادة انتاج نفوذ الطبقة السياسية من ضمان استمرار هيمنتها على السلطة، وهذا الاصلاح لا يمكن أن يتحقق إلاّ عبر وضع قانوب انتخابي جديد يحقق صحة وعدالة التمثيل عبر اعتماد التمثيل النسبي الوحيد الذي يمكن عبر كسر قاعد احتكار التمثيل في البرلمان.