غدًا الثلاثاء يُتوقَّع أن يشهد مجلس النواب واحدة من أبرز المبارزات في تاريخه، لأنه في جلسته الموعودة سيُحدِّد المسار النقدي والإقتصادي للبلد لسنواتٍ إلى الأمام.

غدًا، إما سلسلة للرتب والرواتب تُكبِّل جيوب اللبنانيين بإنخفاض القيمة الشرائية لليرة اللبنانية، وتوقِع الخزينة بعجز لا خروج منه بسهولة، وإما سلسلة من الدراسات المعمَّقة قبل الإقدام على خطوات غير مدروسة ودعسات ناقصة من شأنها أن تطيح بآخر ما تبقَّى من أمل في إنهاض الإقتصاد اللبناني من عثراته.

فلسفةُ الإقتصاد، منذ ستة آلاف سنة وحتى اليوم، تقوم على كلمتين: المدخول والمصروف، تنطبق هذه المعادلة على الافراد كما تنطبق على الدول:

التوازن بين المدخول والمصروف يؤدي الى الإستقرار.

تغليب المدخول على المصروف يؤدي الى البحبوحة.

تغليب المصروف على المدخول يؤدي إلى العجز والعوز وتالياً الى عدم الإستقرار.

في الحال اللبنانية، نحن في المربَّع الثالث:

ديونٌ تجاوزت الستين مليار دولار.

أزمة نازحين سوريين إلى لبنان تجاوز عددهم المليون وربع المليون نازح، يقاسمون اللبناني في بنيته التحتية، إذا وُجِدَت، وينافسونه في اليد العاملة وفي فتح المؤسسات التجارية الصغيرة والمتوسطة، ويُكلِّفون خزينة الدولة أكثر من ثلاثة مليارات دولار في السنة.

أزمة سياسية لبنانية كلَّفت الخزينة ملايين الدولارات بسبب الإنكماش الحاصل: فالحكومة اللبنانية استهلكت أحد عشر شهرًا لتتألف، وكانت نتيجة ذلك مصاريف لحكومة تصريف الأعمال من موازنات السنوات المقبلة من دون العودة الى الهيئات الرقابية، فكان العجز يراكم العجز.

توترات أمنية لفَّت البلد من طرابلس إلى صيدا مرورا ببيروت وصولا إلى البقاع، وكانت من أبرز تجلياتها الخطف على الفدية بدلاً من الخطف على الهوية، فتسببت هذه الكارثة في إنكفاء السياح، سواء منهم العرب أو الأجانب وكذلك في انكفاء مجيء المغتربين اللبنانيين.

هكذا أصبحنا في البلد وجهًا لوجه: مواطن محتاج في وجه دولةٍ عاجزة. مواطن يطالب ودولة تقول له: أعطني لأُعطيك، بمعنى ان تأخذ منه ضريبة لتردَّها له على شكل زيادة!

التوقيت لهذه المطالبات يأتي في ظرف في غاية الدقة والحساسية وحتى السوء:

إنتخابات رئاسية يمكن أن تحصل في أي يوم، من اليوم وحتى الخامس والعشرين من أيار المقبل، فكيف تتم برمجة القلاقل والاضطرابات مع الإستحقاق الرئاسي؟

ثم ما هي الحكمة من تحميل العهد المقبل أوزار آخر العهد الحالي؟ لماذا لا يُترَك هذا الملف إلى الحكومة الجديدة التي ستُشكَّل مع بداية العهد الجديد بعد أسابيع معدودة؟ فالذي انتظر عامين ألا يستطيع الإنتظار شهرين؟

الاسبوع الفائت كشف كلَّ شيء: هجمة مطالبات، من المياومين في مؤسسة كهرباء لبنان إلى المتطوِّعين في الدفاع المدني إلى المتعاقدين مع وزارة الإعلام إلى الاساتذة في التعيين الرسمي والخاص، ولم يعد ينقص سوى أن ينزل الشعب اللبناني بأكمله إلى الشارع ويطالب بالزيادات.

ولكن مهلاً، هل كل المطالبات مُحقَّة؟

يتداول الخبراء بأرقام مُذهِلة:

نحو أربعة وعشرين ألف استاذ يتقاضون رواتب من دون أن يُعلِّموا في أي مدرسة.

أين هيئات الرقابة لا تتحرَّك قبل إعطاء الزيادات؟

هل كُتِب على الشعب اللبناني ان يُكافح من أجل تقديم راتبه لقمة سائغة لمَن يريدون ان يتقاضوا رواتب من دون أن يعملوا؟

المخاوف في محلِّها، وأبرز المتخوِّفين حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي أبلغ جميع مَن يعنيهم الأمر انه يملك أرقامًا لا مواقف، والأرقام لديه لا تُتيح إعطاء الزيادات دفعة واحدة بل مجزَّأة على خمس سنوات. وهذا هو الحل الأفضل.

متخوِّفٌ آخر هو النائب وليد جنبلاط الذي أبدى إعتراضًا على إقرار السلسلة ما لم تكن الإيرادات والإصلاحات محدَّدة ومبلورة.

غدًا لناظره قريب، والتحدي أمام مجلس النواب انه يُشرِّع للإستقرار وليس للفوضى، وهذا ما ينتظره كل المواطنين.