كشف استمرار الازمة في ​اوكرانيا​ مع تحديات جديدة تدفع بها روسيا من أجل التأثير في الانتخابات المرتقبة في كييف في 20 أيار المقبل ان من خلال التشجيع على الانفصال او دفع اوروبا والولايات المتحدة الى القبول بفدرلة اوكرانيا واستعادة روسيا تأثيرها على مناطق تستطيع من خلالها تأمين الكهرباء والغاز لشبه جزيرة القرم التي ضمتها اليها أخيراً، مأزقاً كبيرا في اتجاهين على الأقل: احدهما مأزق الامم المتحدة ومجلس الامن تحديداً الذي لا يشكل شلله وعجزه موضوعاً جديداً لكنه غدا مشلولاً اكثر فأكثر مع تورط احدى الدول الخمس الكبرى الدائمة العضوية في المجلس في اعمال تهدد سيادة دولة جارة هي اوكرانيا. والآخر مأزق الولايات المتحدة والدول الاوروبية المرتبكة في اسلوب التعاطي مع روسيا ان لجهة العقوبات او الاجراءات التي يجب ان تتخذ لردع طموحات روسيا من جهة وعدم القدرة لأسباب متعددة ومختلفة من جهة أخرى على مساعدة اوكرانيا في الصمود في وجه المحاولات الروسية التهديدية على نحو يخيّب تطلعات الاوكرانيين الذين ثاروا على السلطات الاوكرانية الموالية لروسيا واطاحوها نتيجة لرغبة في ان تكون اوكرانيا أقرب الى الاتحاد الاوروبي منها الى روسيا. وهذا المأزق بوجهيه عرفته المنطقة ولا سيما ما غدت سوريا تواجهه من حرب اهلية مدمّرة ان لجهة عجز مجلس الامن عن التقرير واتخاذ موقف موحد من سوريا لوقف النزف الذي سجل سقوط ما يزيد عن 150 الف ضحية حتى الآن نتيجة للفيتو الروسي الذي حمى النظام خلال الاعوام الثلاثة الماضية من عمر الازمة او لجهة عدم وجود مصالح مباشرة للغرب في التدخل لاعتبارات عدة من أجل انهاء الوضع وتعايشه مع استنزاف طويل، وسرى منذ بداية الازمة في سوريا الكلام على ان سوريا ليست ليبيا مثلاً. لكن اوكرانيا بما تمثله من تحد للولايات المتحدة والغرب اشد وطأة في تقويم هذا المأزق نظراً الى انها في قلب اوروبا ومن مصالحها الحيوية المباشرة خصوصاً ان اوروبا تتحدث منذ أسابيع عن الحشود العسكرية الروسية المتزايدة على الحدود مع اوكرانيا فيما روسيا تنفي على رغم تأكيد الاقمار الاصطناعية صوراً لما يقارب 40 ألف جندي روسي على هذه الحدود.

وتثير مصادر سياسية في بيروت هذه المعطيات المعقدة بالنسبة الى اوكرانيا من أجل الاشارة الى التطورات الاخيرة في سوريا واستخدام اسلحة كيميائية او سامة مجدداً ضد المواطنين السوريين وفق ما اتفق كل من النظام والمعارضة على تأكيده لكن في ظل اتهامات متبادلة عن المسؤول عن ذلك وفي ظلّ اخلال النظام بالايفاء بالتزامه تسليم اسلحته الكيميائية قبل 24 نيسان الجاري. واذ تحدثت معلومات عن اتجاه الولايات المتحدة وبريطانيا الى التحقيق في صحة استخدام اسلحة سامة ومطالبة موسكو بالتحقيق كما قالت في هجوم كيميائي على بلدة كفرزيتا، فان ثمة مجالا وفق ما يلمس المراقبون لانشغال دولي لا يسمح بايلاء اهمية تذكر الى تطورات مأسوية تستمر في سوريا على رغم المواقف المعلنة واحتمال استغلال النظام ذلك من أجل محاولة حسم بأسلحة قد لا تكون ممنوعة لكنها سامة ولا تقل اذى عن الاسلحة الكيميائية. فيما ان "التلاعب" بمواعيد تسليم هذه الاسلحة لا يثير رد فعل كبيراً على رغم ثقة واشنطن ان النظام يماطل عن قصد تحت ذرائع مختلفة، وتوقع كثر ان يعمد الى ذلك منذ الاتفاق في الصيف الماضي على تسليم اسلحته الى ما بعد حزيران المقبل وذلك من أجل ضمان التسليم بضرورة بقائه في السلطة باعتبار انه وحده من يملك مفتاح هذه الاسلحة ومكانها وانتزاع اعتراف بذلك، على رغم ان هذه المماطلة شكلت ولا تزال عائقاً أمام تسليح الغرب المعارضة السورية ايضا ما دامت الاسلحة الكيميائية لم تخرج من سوريا نهائياً. ومع ان وزير الخارجية الاميركي جون كيري قال قبل اسبوع أمام لجنة الشؤون الدولية في الكونغرس ان الاسلحة الكيميائية السورية لا تزال تشكل تحدياً بالنسبة الى بلاده لجهة المماطلة في تسليمها. فانه أشار في المقابل الى ان اتصالاته مع نظيره الروسي سيرغي لافروف مطمئنة لجهة ضغط الروس على الاسد من أجل التزام تعهداته وان روسيا لا تزال متعاونة في الموضوع السوري. الأمر الذي يفيد بتسليم الولايات المتحدة لروسيا في هذا الاطار ولا نية لديها لأي رد فعل مختلف ازاء ذلك ويستشهد المسؤولون الايرانيون بانكفاء الولايات المتحدة بناء على موقف كيري.

ويعتقد بعض المطلعين ان ازمة اوكرانيا دفعت في مرحلة اولى الى الابتعاد عن الموضوع السوري اذ انتقل الاهتمام الغربي في شكل اساسي الى مكان آخر خصوصاً ان ثمة يأساً من تطور مرتقب في مواقف الدول المعنية على الأقل ليس قبل انتهاء التفاوض على الملف النووي الايراني. والمواقف التي يعبر عنها مسؤولون ايرانيون وحدها تلقي الضوء على التحولات السورية فتوحي باستعداد لدى ايران للمساومة او التفاوض على سوريا ومصير النظام قبل حلول موعد الانتخابات الرئاسية السورية فيما النظام يعلن انه حقق تقدماً ملموساً. لكن الكباش الدولي المتزايد حول اوكرانيا والعجز الاميركي والاوروبي عن مواجهة اندفاع روسيا الى فدرلة اوكرانيا او منع انتخاباتها يخشى ان يترك انعكاساته على أسلوب حلّ الازمة السورية في مرحلة لاحقة وفقدان الثقة كلياً بقدرة الغرب على عدم التضحية بمصالح الشعب السوري.