سواء عُدّت فضيلة استحقاق 2014 او رذيلته، فان المهلة الدستورية التي يوشك شهرها الاول على الانقضاء هي الاكثر برودة عن سابقاتها. لا المرشحون يتهافتون ما خلا اثنين يحكمان القبضة، ولا التكتلات الكبرى تحسم خياراتها، ولا تريث رئيس المجلس يوحي باستعجال الانتخاب

يتصرّف كل من الرئيس ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، في انتخابات 2014، على انه المرشح الاكثر حظاً، المتوجس من السيناريو الاقل حظاً. كلاهما الاكثر حضورا في الاستحقاق، في الوقت الحاضر على الاقل، مذ طرح كل منهما مواصفاته، على طرف نقيض من الآخر، وبات ينتظر ردود الفعل ومبايعة فريقه له. الا انهما رسما، كذلك، مسارين متعارضين لاجراء الانتخابات لا يجعلهما بالضرورة وجها لوجه في منافسة مباشرة في جلسة الانتخاب نفسها. يطرح عون نفسه مرشحا وفاقيا لا يسعه النجاح في الانتخابات الا بتوافق الطرفين الشيعي والسنّي عليه، من غير ان يحتاج الى غطاء مسيحي سواه، بينما يقدّم جعجع ترشيحه على انه يحمل مشروع قوى 14 آذار، ويتصوّر فوزه بالرئاسة انتصاراً لهذه القوى على الفريق الآخر وامساكها بالسلطة على نحو لم تُعطَ اياه قبل فراغ 2007 ولا في انتخابات 2008. بذلك يكمن الفارق الجوهري في الطريقة التي يعتقد كل منهما انه سيُنتخَب بها، اذا انتخب: عون يحمله التوافق عليه على الفوز من الدورة الاولى بلا منافس له، فيحسم انتخابه قبل بلوغ صندوق الاقتراع. فيما يعزو جعجع فوزه المرجح الى الدورة الثانية من الاقتراع بالاكثرية المطلقة من الاصوات في مواجهة منافس آخر له.

يكتفي رئيس تكتل التغيير والاصلاح بالتعويل على تيار المستقبل وحده من الفريق الآخر لضمان فوزه بثلثي الاصوات تعبيرا عن مغزى التوافق عليه. بذلك يريد انتخابه على صورة اقرب الى الاجماع الاستثنائي الذي حظي به قبله اربعة رؤساء لا منافسين لهم هم بشارة الخوري عام 1943، وكميل شمعون عام 1952 بعد انسحاب حميد فرنجيه له، وشارل حلو عام 1964 وكان المرشح الوحيد تقريبا الذي التقت عليه الغالبية الشهابية ومناوئوها في آن رغم الترشيح الشكلي لبيار الجميّل، والرئيس امين الجميل عام 1982.

في المقابل يراهن رئيس حزب القوات اللبنانية على إحداث اختراق مفاجىء في موقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، ينجم عن ترتيب مسبق بينه والرئيس سعد الحريري، بغية الحصول على 65 صوتاً كافية لضمان فوزه. على نحو عون، يحتاج جعجع الى عدوّ يحمله الى الرئاسة. اذ لا تعدو مظاهر القوة التي يفصح عنها المرشحان الرئيسيان، الكثيرا الافراط في تأكيد الذات والمواصفات وسهولة بلوغ المنصب، الا مرآة ضعفهما وعجزهما عن اجتذاب النصف +1 من الاصوات الى الدورة الثانية من الاقتراع، على الاقل، من دون الاستعانة بخصم مرّ لم يخفيا مرة بغضهما له. ذلك ما يصحّ على الحريري وجنبلاط.

يعتقد عون تبعا لما يسمعه منه زواره بأن تفاهما شيعيا ـــ سنّيا يمنحه حظوظ انتخابه وممارسته الحكم في آن وهو ما يتطلبه ترشيحه، بينما يتوقع جعجع تكرار تجربة الرئيس بشير الجميل مقلوبة الا انها تفضي الى نتيجة مماثلة: يفوز بالاكثرية المطلقة بدعم سنّي شبه كامل يحمل الفريق الشيعي على التسليم بالامر الواقع وفتح حوار مع الرئيس الجديد الذي لم ينتخبه. في بضعة مواقف اخيرة تلت اعلانه ترشيحه في 4 نيسان، اوحى جعجع برهانه هذا عندما ابدى مقدرته على التفاوض مع حزب الله في مرحلة تالية لانتخابه.

حدث ذلك مع الرئيس الراحل الذي فاز من الدورة الثانية عام 1982، معوّلا على اقتراع النواب الشيعة جميعا تقريبا له الى اثنين فقط من النواب السنّة هما سليمان العلي وطلال المرعبي، ناهيك بغالبية النواب المسيحيين. قاطع النواب السنّة وحلفاء مسيحيون لهم واربعة نواب شيعة جلسة الانتخاب قبل ان يتصالح زعيم هذا الفريق الرئيس صائب سلام مع بشير ويجتمع به في منزل الرئيس الياس سركيس في 11 ايلول في مارتقلا. ثلاثة عوامل على الاقل ساهمت في هذه المصالحة وحصول اللقاء، ومن ثمّ تجاوز التسليم بالامر الواقع الى الخوض في سبل مقاربة المرحلة الجديدة: الاحتلال الاسرائيلي بالتزامن مع الانسحاب السوري، دور رئيس الجمهورية، دور رئيس المجلس كامل الاسعد.

كانت تلك المرة الاولى والاخيرة يُنتخب رئيس ماروني يحظى بأوسع تأييد مسيحي، وبدعم طائفة اسلامية، ومناوئة طائفة اخرى. قبلها لم يُنتخب رئيس بطريقة مشابهة، وكذلك بعدها الى ان وضع الائتلاف السنّي ـــ الشيعي في انتخابات 2008 يده على انتخاب الرئيس الماروني.

حتى اشعار آخر يصطدم ترشيح عون وجعجع بعقبتين اثنتين اساسيتين في احسن الاحوال:

اولاهما، انهما يتساويان في تلقف كل منهما «فيتو» صارما من طائفة اسلامية عليه: لم يقل السنّة انهم يؤيدون عون، ومن غير المتوقع اقتراع النواب الشيعة لجعجع. ليس في وارد اي من هذين الفريقين الذهاب منفردا الى الاستحقاق، وهو يعرف انه لا يسعه تقرير مصيره او المجازفة به لوحده، وقد خبرا جدوى اتفاقهما على رئيس يحظى بتأييدهما في استحقاق 2008. لم يبحثا حتى الآن، وجها لوجه، في حمل اي من المرشحين الحاليين على اكتافهما، وقد لا يكون من السهل الاعتقاد بأن ايا منهما يمثل فرصة جدية لارساء تفاهم سنّي ــــ شيعي على الاستحقاق والرئيس المقبل، وعلى المرحلة التالية للاستحقاق خصوصا.

ثانيهما، ان نصاب حضور جلسة الانتخاب هو المقرّر الفعلي لانتخاب الرئيس. من دون حضور 86 نائبا على الاقل، لا دورات اقتراع اولى او ثانية او اكثر. لا اوهام لدى افرقاء اساسيين في قوى 8 و14 آذار تحملهم على ان يصدقوا كل ما يُروى من ان النواب جميعا سيذهبون الى جلسة الانتخاب في معزل عن المرشح الى هذا الفريق او ذاك. كان السوريون اول مَن علقوا «الاقتراع السرّي» المنصوص عليه في المادة 49 لانتخاب الرئيس في انتخاب الرئيس اميل لحود عام 1998، بعد التمديد للرئيس الياس هراوي عام 1995 ثم في ما بعد التمديد للحود عام 2004. ثم لحق بهم الافرقاء اللبنانيون في استحقاق 2008 مع انتخاب الرئيس ميشال سليمان.

مذ ذاك استقرت قاعدة جديدة في انتخابات الرئاسة تحتاج الى وقت طويل لابطالها: الاتفاق على الرئيس قبل الذهاب الى مجلس النواب للاقتراع له. ذلك ما يطلبه عون بطرح نفسه مرشحا وفاقيا يفوز من الدورة الاولى. وذلك ايضا ما يُظهر جعجع رفضه له باصراره على خوض انتخابات قبالة منافس له يغلبه بالنصف +1، الا ان ثمة ما يقتضي ان ينتظره قبلا هو التئام النواب الـ86 قبل توقع دورة ثانية تلي دورة اولى.

كلاهما يتحدث عن دورة الاقتراع، وكأن جلسة الانعقاد واقعة حتما، ونصاب الثلثين واقف عند الابواب.

أليس من اجل ذلك يتريث رئيس المجلس نبيه بري في توجيه الدعوة الى الجلسة السحرية تلك؟