مرة جديدة ينجح الرئيس نبيه بري في ان يكون واسطة العقد واول الحلقات وآخرها. وكيف ولا وهو المحرك السياسي للوطن وقلبه النابض. فبعد ان كان اول مستنبطي فكرة الحوار ونقل الخلاف من الشارع الى المؤسسات عاد ليؤكد ان التوافق السياسي مع بعض التنازلات المتبادلة كفيل بحل العقد والملفات العالقة. بالامس نجح مع النائب وليد جنبلاط في اخراج حكومة تمام سلام من خرم الابرة في وسط قش الفراغ وبعد 11 شهراً رفضت فيها قوى 14 آذار وتيار المستقبل مشاركة طاولة الحكومة مع "حزب الله" العابر للحدود والقارات، فما ان كان من بري ان اشغل محركاته لتدوير الزوايا الداخلية وفكفكة العقد التي يتقن اللبنانيون فن الدخول في تفاصيلها وقشورها في آن معاً رغم ما حكي عن حشوة اقليمية دافعة ساهمت او فرضت توافقاً انتج حكومة المصلحة الوطنية.

ومرة جديدة استفاد نبيه بري ووليد جنبلاط من تشكيل الحكومة ليطلق سراح التشريع بعد 11 شهراً من التعطيل المستقبلي والآذاري بحجة البنود الفضفاضة لبرلمان يريد التشريع في ظل حكومة مستقيلة، وما كان فضفاضاً في البنود اصبح فضفاضاً في الانجازات فلم يعد من حجة بعد التوافق السياسي وتشكيل الحكومة. فكرت سبحة القوانين التي انجزت من مياومي الكهرباء الى ملف متطوعي الدفاع المدني وليس انتهاء بسلسلة الرتب والرواتب التي ستسلك طريقها الى الاقرار في جلسة اليوم النيابية العامة واذا لم تقر فإنها لن تتأخر كثيراً تحت وطأة الشارع وتحرك النقابات من شمال لبنان الى جنوبه وصولاً الى وسط العاصمة في مقابل وعود شخصية قطعها لبري لكل النقابات المعنية بالسلسلة انها ستسلك طريقها الى الاقرار عبر مجموعة من الاقتراحات والمخارج يعمل عليها.

وينطلق الرئيس بري من طروحاته لحل السلسلة من مبدأ اساسي وهو توزيع الغرم او اشراك جميع القوى السياسية والاقتصادية ومؤسسات الدولة في اضرار واعباء الفائدة التي ستطال مئات وآلافا من العاملين في القطاع العام التعليمي والخدماتي والعمالية، فغرم بسيط موزع على الجميع له غنم كبير على الاف من المستحقين. وتشير احدى الطروحات التي تلقاها بري الى ضرورة تخفيض اعباء السلسلة 10 في المئة وكذلك تقسيطها على ثلاث سنوات بدل 4 او 5. بالاضافة الى تحميل القطاع المصرفي الاكثر ربحية ومنفعة في لبنان 2 في المئة ضريبة على ارباحه.

وتوازن طروحات بري بين الحفاظ على الاقتصاد وتماسكه وعدم تحميله اعباء ارتجالية وبين عدم الالتفاف على مطالب مستحقة للنقابات.

وقد يغمز البعض من قنوات بعض الكتل النيابية والسياسيين بالاستفادة من إقرار القوانين التي تلبي مطالب الشارع المحقة والمزمنة منذ اعوام، على ابواب استحقاقات قادمة ومنها الانتخابات النيابية في الخريف المقبل. ومن هؤلاء الغامزين من فتح النار على اكتساح الرئيس بري للثمن السياسي لاقرار قانوني الدفاع المدني والمياومين والعمل على اقرار السلسلة. لكن بري نفسه لم يسحب "من كيس احد" ليأخذ الى جيبه او ليعطي المستحقين، بل هو من ادار اللعبة بين من لا يريد ان يدفع وبين من سيبقى يظل يلاحقه حتى يدفع لذلك استفاد من اللحظة الراهنة الممهورة بالتوافق الآذاري ليمرر دفعة على الحساب للناس التي باتت متعلقة بخيط نجاة في جسد دولة مهترىء لا يصلح للترقيع ولا يلائمه الثوب الجديد.

الحديث عن مرحلة لاحقة بعد الخطة الامنية واقرار المشاريع الملحة تشمل خطة مكافحة الفساد المستشري في جسد الوطن ومؤسساته ليس الا من باب التمريك السياسي او تسجيل نقاط في مرمى الخصوم او ببساطة الدفاع عن منظومة الحصص. وعليه فإذا كان الفساد حالة عامة ويستفيد منها الجميع في دولة اصبح هريان مؤسساتها فاقعاً، فمن يجرؤ على ان يبدأ الخطوة الاولى ومن اين تكون البداية وما هي الادوات؟.

مرة جديدة يعلم الرئيس بري وحده الجواب ومدرك تماماً ان بيوت كثيرين من زجاج فلا ترموا بحصاً على صخوري!