14 آذار في ورطة رئاسيّة. أبناؤها ينامون ويستفيقون على همساتٍ مقلقة على عتبة أقل من 40 يومًا على الاستحقاق: من هو مرشّحُنا؟ لا جواب. لم يعد ضمير المتكلم الجامع مقنعاً الى حدٍّ بعيد، فالجميع مرشّح والجميع يدعم الجميع و”المستقبل” هو المُحرَج الأوّل والرئيس واحد.

فيما كانت لحية الرئيس سعد الحريري خلال لقائه ولي العهد السعودي الأمير مقرن بن عبد العزيز في الرياض تخطف الأضواء رغم رمزيّة اللقاء على مستوى الشخصية المضيفة وتوقيت الزيارة، كان بعض أبناء 14 آذار بأكثريّة “مستقبلية” يجتمعون ليلاً على ما علمت “​صدى البلد​” لبحث كيفيّة التخلص من ذاك “الهمّ” الرئاسي الذي فرضه عليها ترشّح ثلاثة من أبنائها على الأقل حتى الساعة بصورةٍ رسميّة أو شبه رسميّة. مقاطعة بعض هؤلاء المجتمعين لالتماس موقفهم تثمر جوابيْن: أحدهما معروف وهو أن 14 آذار لم تحسم اسم مرشحّها بعد وما عدا ذلك تحليلات وتمنيات، وثانيهما مبشّر بخروج هذا الاسم الى النور بعد أيامٍ معدودة على ما أكدت مصادر “المستقبل” لـ”صدى البلد” من داخل اللقاء السرّي المصغّر.

“إنها التعددية”!

“الحريري يواكب هذا اللقاء وسواه بدقّة واهتمامٍ عاليَيْن، ولا يُخفى على أحد أن اجتماعاتنا به كثيفة هذه الأيام” تقول المصادر عينها. حتى الساعة، قد تبدو مشهديّة 14 آذار الرئاسيّة أشبه بالفوضى رغم رفض تلك القوى توصيفها على هذه الشاكلة: إنها التعددية. هي نفسها الذريعة-الخلاص التي تتمسّك بها تلك القوى عند كلّ مفترقٍ يهدد وحدتها أو أقله وحدة قرارها. أحرجها رئيسُ تيار المستقبل هذه المرة باستباقه كلّ الأمور وبإعلانه أمام الجميع بأن 14 آذار لن يكون لها سوى مرشّح واحد. ولكن كثر الطامحون الى دخول قصر بعبدا. جعجع فاجأ الجميع وأحرجهم، روبير غانم القانوني أراد هو الآخر بترشّحه إنقاذ الوطن متسلحاً “بتقرّبه من الجميع” وبصيته الدستوري، أما بطرس حرب فهو مرشّح كلّ الأزمان والسفير الرئاسي فوق العادة بصلاحياتٍ ممنوحةٍ من 14 آذار وبسلطةٍ دفعته الى تشكيل قوى مسيحيّة داخل القوى الواحدة. وينقص أمين الجميل الذي لا يعوزه لقب الرئيس ولكن للقب هذه المرة نكهة خاصّة.

أمنياتٌ فردية

هؤلاء هم مرشّحو 14 آذار المبدئيّون أو مشاريع مرشّحين. حلا لجعجع أن يكون أوّلهم ليس فقط من حيث زمان الإعلان وأسبقيته بل من حيث ثقته بأنه الأول مسيحياً داخل تلك القوى بلا منافس إن لم يكن على مستوى الوطن. تلك الثقة هي التي دفعته الى التحدّث عن أن حلفاءه على قاب قوسين من تبني ترشيحه، بعدما همس أحدهم في أذنه بأن اسمه هو الأكثر تداولاً في كواليس 14 آذار ركوناً الى المنطق التمثيلي. كلامٌ عززه منسّق الأمانة العامة لـ14 آذار فارس سعيد بإيثاره اسم جعجع على من عداه. هذان الموقفان الضاغطان في اتجاه فرض اسم جعجع مرشحاً أوحد لا يمرّان على “المستقبل” الذي تجدد مصادره التأكيد عبر “صدى البلد” أن “أي قرار لم يُحسَم بعد وجعجع هو من الأسماء المطروحة بقوّة نظراً الى حيثيته وتمثيله ولكن ليس الأوحد وموقفنا لم يُحسَم بعد على أن تحمل الأيام القليلة المقبلة جواباً شبه حاسم”. لا تُغفِل المصادر تلقّف أي سؤالٍ عن إمكانية لعب “المستقبل” مثل هذه الورقة التي يعتبرها كثيرون خاسرةً ركوناً الى حقيقة أن جعجع هو شخصيّة مستفزّة أقله لنصف اللبنانيين: “لا نقارب الموضوع على هذا النحو. قد يكون جعجع مستفزًا للكثيرين ولكن يبقى زعيماً لمجموعة سياسيّة ورئيساً لحزب ويمثل نهج 14 آذار وثوابتها من الموقع الأول في البلاد. هناك مرشحون لديهم حظوظٌ أكبر من سواهم في هذه اللحظة، ولكن الأمور منوطة بنتيجة نقاشاتنا التي تُعرَض فيها الأمور من كل نواحيها وبالتطورات السياسيّة. أما عدا ذلك من كلام فأمنياتٌ فرديّة”.

غانم الأوفر حظاً

يُفهَم من كلام أبناء “المستقبل” أن رمي اسم جعجع بهذا الشكل ما هو إلا ضغطٌ نفسيٌّ تمهيداً للضغط الشعبي عندما تحزّ الحزّة. وكأني بهؤلاء يريدون توجيه رسالةٍ واضحة لمعراب وأخرى لحلفائهم المسيحيين مفادها أن حظوظهم جميعهم متساوية ربما سلباً بعد فشل تجربة الرئيس المُنتخَب ونجاح تجربة الرئيس التوافقي. والحديث عن هذا النوع من الرؤساء يوصد الأبواب منطقياً أمام جميع مرشحي 14 آذار مع إمكانية استثناء روبير غانم الدستوري القانوني الذي عرّج الى الرابية أمس وتحدّث من على منبرها فيما كانت شعارات “الصحّ” تزيّن الخلفيّة. قد يكون غانم فعلاً المرشّح الأوفر حظاً وخشبة خلاص 14 آذار والأقرب الى 8 آذار من “الضفة الأخرى” ولكن هذا الفريق لن يأخذ على نفسه انتخاب رئيسٍ محسوبٍ في نهاية المطاف على 14 آذار ولن يمنح تلك القوى الرئاستين الأولى والثالثة بعد تجربته “المرّة” مع الرئيس ميشال سليمان، وهي التجربة المستمرة والآخذة في التطوّر سلباً حتى الخامس والعشرين من أيار المقبل.

هل يصل متأخراً؟

حالياً لا يجد “المستقبل” كلّ الإجابات لكلّ الأسئلة. والى أن يأتي الخبر من ولي العهد، “عاجن وخابز” الأرضية اللبنانية، الارتباك الذي يبديه أبناء التيار الأزرق أمام السؤال “الكليشيه” كافٍ للإشارة الى أن كثرة الطباخين الرئاسيّين قد تحرق طبخة مرشّحه الأوحد وتجعله متأخراً في تسمية شخصيّةٍ واحدة ما لم يُنقذه توافقٌ من اثنين في اللحظات الأخيرة: إما توافق على اسمٍ أوحد وإما توافق على الفراغ.