تحول عشاء خاص اقامه أحد سفراء الدول الغربية الفاعلة، وجمع خلاله نخبة من اصحاب القرار، الى لقاء سياسي بامتياز شكل الاستحقاق الرئاسي مادته الدسمة، بيد أن أحد الحاضرين وهو سياسي مخضرم توقف عند ما وصفه بالغموض المحيط بالرسائل التي كان يعتزم المضيف توجيهها إلى الحضور، خصوصاً أن اراء أصحاب الشأن اللبناني كانت متضاربة بشكل كبير للغاية ومنقسمة عامودياً، بما دفع أحد السفراء إلى الإعراب عن استيائه من عدم قدرة اللبنانين على التوافق في ما بينهم ولو بحده الأدنى، فالضغوط التي مارسها الغرب لتشكيل حكومة المصلحة الوطنية لم تنسحب على باقي الملفات لا من قريب ولا من بعيد، حتى أن انخراط الحكومة بوزاراتها الأمنية في الحرب على الارهاب لم يبدل من القناعات السياسية.

ولمس السياسي المخضرم من مجريات الحوارات المتبادلة اصراراً أميركياً على احترام الموعد الدستوري لانتخاب رئيس جديد للبلاد على الا يكون رئيس أمر واقع، فواشنطن لا تمانع وصول رئيس غير توافقي بشرط أن يلتزم بالحرب على الارهاب باعتبارها حرباً دولية ومعقدة ومتشعبة، وعلى لبنان أن يلعب دوره فيها نظراً لموقعه الجغرافي، وناهيك عن تركيبته السياسية الهشة التي تعرضه لخضات مستمرة، في ظل أولوية غربية وأوروبية تتمحور حول مكافحة الارهاب والتكفير الذي خرج عن دائرة الضبط وتحول إلى كابوس لعدة أسباب، أولها اقتراب أصحاب الفكر التكفيري من منابع النفط ومن معابره وتغلغلهم في المجتمعات العربية والأوروبية وتشكيلهم لخلايا موصوفة ومعقدة سيستحيل القضاء عليها خلال أشهر وسنوات قليلة كما يعتقد البعض.

وبدا بحسب السياسي عينه أن واشنطن مهتمة إلى أبعد الحدود بالاستحقاق النيابي، خصوصاً أنها تعتبر نفسها نجحت في فصل مسار الأزمة اللبنانية عن مشاكل المنطقة برمتها، في ظل اعتراف أميركي ضمني لمسه الحاضرون بأن الادارة هناك غير منزعجة من مشاركة "حزب الله" في الحرب السورية، باعتباره رأس حربة لمكافحة الارهاب، فضلاً عن واقع ثان تأخذه القيادة العسكرية الأميركية بالاعتبار، وهو أن مشاركة الحزب في القتال تضعف قدراته وتحد من طوحاته وتدفعه إلى تجنب المزيد من الازمات والمشاكل واقفال الأبواب أمام امكانيات فتح جبهات جديدة، أكان ذلك في الداخل اللبناني أم على مستوى المواجهة مع اسرائيل أو حتى على صعيد اعادة احياء الخلايا النائمة في الدول الأوروبية والأميركية.

ويخلص إلى الملاحظة أن كلام السفير الأميركي وقع كالصاعقة على رؤوس بعض المسترئسين، خصوصاً أنه أرسل اشارات باتجاه عدم الممانعة بالاتيان بشخصية مارونية قوية حتى لو كانت متعاطفة مع خط المقاومة لعدة اعتبارات، أبرزها أن الغرب اقتنع في المراحل الأخيرة بضرورة انشاء تحالفات موضوعية بين الاقليات في المنطقة كونها تؤسس إلى توازنات جديدة تريح المجموعة الدولية على المدى الطويل، فصحيح أن واشنطن تهاجم ايران والنظام السوري و"حزب الله"، غير أن الصحيح أيضاً هو أنها مرتاحة لعلاقاتها مع الثلاثية المذكورة، خصوصاً أن أخطارها على اسرائيل لم تعد قائمة كما كانت سابقاً، فالأولى تعهدت بالإبقاء على سلمية مشروعها النووي، أما الثانية والثالث فهما ملتزمان إلى أبعد الحدود بالحرب على الارهاب التي تدور على أرض عربية وبتمويل عربي وبأسلحة يستخدمها العرب أيضاً وهذا هو الوضع المثالي التي ترعاه واشنطن وتعمل على تعزيزه من خلال ترتيب البيت اللبناني وابعاده عن الصراعات العربية اقله في هذه المرحلة البالغة الدقة والحساسية.