طوال يوم السبت الماضي، اقفل النائب إبراهيم كنعان خطوطه. حاول كثيرون استيضاحه عن النتائج التي آلت اليها الأمور على صعيد سلسلة الرتب والرواتب والخطوات المقبلة، دون ان يفلحوا في ان يحصلوا منه على إجابة. فرئيس لجنة المال والموازنة لم يكن "ع السمع"، انما انصرف في مكتبه في الطابق الخامس من المبنى المخصص للنواب في ساحة النجمة الى صياغة التقرير النهائي للسلسلة وفق نقاشات اللجان المشتركة. وبين الجداول ومواد القانون والأرقام، انجز المهمة، لاسيما ان رئيس المجلس النيابي نبيه بري أراد توزيع المحصّلة النهائية على النواب، قبل 48 ساعة من موعد الجلسة التي دعا اليها اليوم.

وأخيراً، تبدو السلسلة اليوم امام مخاضها الأخير، وسط تساؤل عن كيفية ولادتها وبأي صيغة؟ مقسّطة او مجزّأة او كاملة؟ فبعد سنتين ونصف في طريقها الطويل من حكومة نجيب ميقاتي الى اللجنة الفرعية برئاسة كنعان مروراً باللجان المشتركة في جلساتها المكثّفة أخيراً، وصولاً الى الهيئة العامة، حان وقت الحسم بالنسبة الى الجميع، بعدما بدا ان هذا العمل يسير "ع المنخار" مع لاءات الهيئات النقابية والاقتصادية، معطوفة على محاولات تستمر حتى الساعة لتمييعها داخل المؤسسات.

الراعي مع ثلاثية كنعان

واللافت في هذا السياق عشية الجلسة العامة، ما صدر عن البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في عظة عيد الشعانين، اذا استحضر عنوان "التقرير النهائي للجنة الفرعية" التي رئسها كنعان بدعوته الى سلسلسة "تراعي ثلاثية حقوق الشعب والإمكانات والإصلاحات بضبط الانفاق وموازنات ووقف الهدر".

وتشير أوساط بكركي في هذا السياق الى ان "البطريرك، الذي استمع مع مجلس الأساقفة في مناسبتين، الى شرح عن السلسلة والأوضاع المالية من كنعان، أراد تأكيد دعمه لهذا الحراك، ومطالبة الجميع بالالتزام بهذا العنوان، حتى لا تذوب الأساسيات على الطريق".

الأكيد ان اتصالات عدة حصلت لاستكشاف مجريات النقاشات اليوم، لاسيما بين الهيئات الاقتصادية ووزير المال علي حسن خليل، ادّت الى تراجع حدة الهيئات، خصوصاً ان أرباح المصارف في العام الماضي وحده بلغت مليار و850 مليون دولار، واكثر من 25 مليار دولار في السنوات العشرين الماضية، ما دفع بأوساط نقابية الى تأكيد ضرورة "المشاركة في الأعباء ولو بالحد الأدنى، بدل الاتجاه نحو فرض الضرائب على الناس".

يتوقّف خبير اقتصادي عند المشهد الراهن معتبراً ان "حال الجنون" بلغت ذروتها عند الجميع، ما يتطلّب عقلنة النقاشات مجدداً، عملاً بالمثل الشعبي "لا يموت الديب ولا يفنوا الغنمات". فبين رفض الهيئات الاقتصادية، واصرار الهيئات النقابية، والواقع الاقتصادي المأزوم، "رح يموتوا الغنمات" وتضيع الحقوق، ما يتطلب من الجميغ التعقّل والاّ "العوض بسلامتكن".

عندما وصل مشروع سلسلة الرتب والرواتب قبل أشهر الى اللجنة الفرعية التي انبثقت من اللجان النيابية المشتركة، كان العجز في خزينة الدولة يقدّر ب 5200 مليار. اليوم، وعندما سيحضر الملف امام الهيئة العامة، فالعجز ارتفع ب 1300 مليار ليبلغ 6500 مليار، بينما تخطى الدين العام ال 60 مليار.

هي ارقام وزارة المال التي خيّمت على مناقشات السلسلة، يضاف اليها كلام حاكم مصرف لبنان رياض سلامة المائل الى تجزئة السلسلة خوفاً من اتجاه لبنان نحو الدول المفلسة، التي حتّمت عقلنة النقاشات الدائرة حول السلسلة، بعدما بدا كما لو أن الجميع في "مدينة جنون" يغني فيها كل طرف على ليلاه، فيما المركب يغرق لأنه "مفخوت" بالعجز والدين والتركة الثقيلة الناجمة عن السياسات المالية الخاطئة ما بعد الطائف، مع ما أدت اليه من هجرة لأكثر من 40 الف لبناني سنوياً بحثاً عن مستقبل افضل.

النقاشات "ع المكشوف" في الهيئة العامة

لكن "الإيجابي" هذه المرة، ان النقاشات ستكون "ع المكشوف" في الهية العامة، امام أعين الاعلام، ما قد يحرج بعض النواب في نقاشاتهم، ويضيّق من هامش المناورة لديهم، لاسيما عند التصويت على بنود "غير شعبية" كرفع الtva مثلاً. هنا سيكون هناك من يراقب خيارات ممثلي الشعب، فهل سينحون في اتجاه رفع الضريبة على القيمة المضافة على الكماليات فقط، حتى لا تتأثّر بها الطبقتين الوسطى والفقيرة، ام تنتصر إرادة "تيار المستقبل" خصوصاً، في رفع الtva الى 12 % على جميع اللبنانيين؟

هي من البنود التي لم يحصل التوافق عليها في اللجان المشتركة فرحّلت مع بنود أخرى الى الهيئة العامة، حيث ستتردد في اروقتها اليوم أصوات التحركات المطلبية في محيط المجلس النيابي، وسط انتظار للنتائج النهائية، لاسيما مع ارتفاع حديث بعض رؤساء الكتل، وفي مقدمهم النائبان وليد جنبلاط وفؤاد السنيورة، عن واردات الدولة. الامر الذي دفع "بأصحاب الحقوق" الى القول: "هلّق وعيتوا عدورنا وقررتوا تحملوا المسطرة؟ كان الأجدى بمن يطالب بالتروي ويعبّر عن حرصه على المال العام، العمل بموجب ما يقول طوال السنوات الماضية، والمحافظة على المال العام لا هدره بالسياسات لمالية الخاطئة والصناديق والهيئات، التي لولاها لما وصلت البلاد الى ما وصلت اليه من دين عام يقدّر بأكثر من 60 مليار".

ماذا بعد؟ يقول الخبراء إنه "اذا استمر الجنون القائم، سيأكل أصحاب الحق الضرب في الجلسة العامة امام الوقائع والمطالب والعوائق. وتشير أوساط متابعة لملف السلسلة ان كلفتها يجب ان تدفع من قبل المسؤولين عن السياسات المالية، من خلال المصارف والاملاك البحرية والعقارات، التي بقيت طوال سنوات بلا حسيب او رقيب، لا ان تؤخذ السلسلة من جيوب الفقراء، والاّ يكون هناك من يريد تدفيع المواطنين ثمن الحقوق التي سحصلون عليها.

من هنا، تبدو مسؤولية النواب إيصال المركب الى برّ الأمان وإنقاذ الوضع، من خلال حلّ متوازن يوازي بين الإيرادات والنفقات، ويقر بالحقوق ويسير بالإصلاحات، والاّ فستبقى الأمور رهينة "عدم تعقّل النقابيين وأصحاب المال والاعيب بعض السياسين.