بين التهديدات «الإسرائيلية» المتصاعدة وآخرها على لسان رئيس أركان حرب العدو الصهيوني «بيني غانتس»، وتطمينات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، حول استبعاده في حديث صحافي نشر حديثاً، اندلاع حرب بين لبنان و»إسرائيل»، فرق شاسع. ذلك أن العمليات العسكرية «الإسرائيلية» ضد لبنان وسورية لم تتوقف طيلة الفترة الماضية، مع اتخاذها اشكالاً متعددة تراوحت بين القصف المباشر بالطيران والمدفعية، وصولاً إلى تحليق الطيران الحربي على مدار الساعة في بعض الأحيان، ناهيك عن التدريبات والمناورات المتواصلة.

لم تغب صورة الاستعدادات العسكرية الصهيونية للحرب عن الشاشات ووسائل الإعلام، ما يبعث برسائل غايتها «تحذيرية ووقائية»، ما يعكس خوف «تل أبيب» الحقيقي من انفجار الوضع مجدّداً على الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة، ولعل ذلك ما قصده السيد عندما استبعد العدوان راهناً، رغم الهدف «الإسرائيلي» الدائم بانتهاز الفرصة للقضاء على حزب الله الذي تتسع دائرة نفوذه، لا سيما بعد مشاركته الواسعة في سورية وما يمكن أن تؤدي إليه من معادلات جديدة بدأت ملامحها في الظهور بعد النتائج التي حققتها في تمتين الحلف الثلاثي الممانع في سورية وإيران ولبنان عبر الحزب الذي استطاع في الآونة الأخيرة رفع الضغط الأمني المكثف من خلال السيارات التكفيرية المفخخة وانفلات الأوضاع الأمنية بفعل انتشار التكفيريين وعبثهم بالأمن اللبناني وعيشه الواحد.

ما تريده «إسرائيل» من خلال رفع منسوب التهديدات، وصولاً إلى التدخل المحدود في مناطق محددة وبين الحين والآخر هو الحصول على نتائج في الحد الأقصى من دون التورّط في حرب قد لا تستطيع السيطرة عليها أو من خلالها، ذلك أنها باتت متأكدة من أن اندلاعها هذه المرة لن يقف عند حدود لبنان، خاصة أنّ هدفها فيه حزب الله بات خارجه، ما يعقّد مهمة استهدافه بتجربة كتلك التي حصلت عام 2006.

لكن استهداف «إسرائيل» لحزب الله بدأ يأخذ أشكاله الجديدة من خلال الحرب التي يخوضها الأخير في سورية. ووجد الصهاينة من يخوض حربهم ضده بـ»الوكالة» مع إمكان التدخل في الوقت والزمان المناسبين، لكن من دون مقاربة فكرة الحرب الواسعة النطاق التي امتنعت حتى الولايات المتحدة عن مقاربة احتمالاتها عندما تراجعت عن فكرة العدوان على سورية بعدما كانت تحفزت له في تشرين الثاني الفائت، في حين أن السيد نصرالله لم يلغ احتمال أن تندفع «إسرائيل» في «لحظة تخلّ» على خلفية عقيدتها العدوانية مع الأخذ في الإعتبار أنها باتت مجبرة على التفكير العميق قبل اتخاذ أي خطوة في هذا الصدد، بعد سلسلة التجارب التي خاضتها مع المقاومة على مدى أكثر من عشرين عاماً.

الحرب «الإسرائيلية» بـ»الوكالة» على حزب الله، تمّ التعبير عنها من خلال القرار الأميركي السعودي بتزويد جماعات «المعارضة» السورية المقاتلة سلاحاً نوعياً تحت عنوان واضح هو تغيير المعادلات في الميدان الذي سيطر الجيش السوري وحليفه حزب الله بنسبة 70 من مساحة المعارك. هذا القرار الذي توصلت إليه محادثات الملك عبدالله بن عبد العزيز مع الرئيس باراك أوباما خلال زيارة الأخيرة إلى السعودية، وترافق أولاً مع تسعير الموقف العسكري على الأرض في شمال سورية عبر فتح معركة اللاذقية عبر الدخول من تركيا إلى منطقة كسب، إضافة إلى تصعيد الموقف في حلب التي تخاض فيها أشرس المعارك منذ بداية الأزمة السورية، كمار رفع ثانياً منسوب القتال في درعا جنوباً عبر الأردن، وفضلاً عن تصعيد لهجة التهديدات «الإسرائيلية» على نحو متزامن، ترافق مع اعتداءات هنا وهناك ردّ عليها حزب الله رغم انشغاله في المعارك السورية.

في هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى أن مشاركة حزب الله في القتال في سورية باتت «متأصلة» إلى حد أنه استطاع «التكيف» بين الجبهتين «الإسرائيليتين» المفتوحتين عليه في سورية ولبنان، ولم يعد القول مقبولاً، بأن إشغال الحزب في لبنان قد يدفعه إلى العودة من سورية. في حين أن الأخير يعمل وفق معيار أساسي مفاده أن الحرب التي يخوضها ضد الصهاينة هناك تشكل حجر الزاوية في الصراع الممتد منذ أكثر من ستين عاماً إلى يومنا هذا حول فلسطين، ما يدرجها في إطار «الحرب الوجودية» بين حلفه و«إسرائيل».

القرار الأميركي – السعودي «الإسرائيلي» بتقديم الدعم مجدداً إلى الجماعات المسلحة في سورية هو إعلان صريح باستمرار الحرب وعدم الإقرار بنتائجها المحققة. وفي تعبير آخر، عدم تمكين الحكومة السورية من استثمار انتصار جيشها سياسياً من خلال إجراء الإنتخابات الرئاسية في سورية التي دخلت فترتها القانونية المحدّدة بموجب دستور البلاد من ناحية. كما أن قرار التسليح يهدف من ناحية أخرى الى إدخال حزب الله في عملية استنزاف واسعة النطاق يبدو أنه تجاوزها، علماً أن تقارير أميركية صدر آخرها عن معهد دراسات الحرب في واشنطن تورد أن الجيش السوري استعاد زمام المبادرة بعد معركة القصير في نيسان 2013 ليصبح متقدماً على حزب الله الذي بات عاملاً مساعداً في العمليات العسكرية، حتى في أكثرها استراتيجية في المرحلة الأخيرة في جبال القلمون.