تتمتّع الإنتصارات الأخيرة للجيش السوري والقوى الحليفة له في منطقة القلمون، ببُعد إستراتيجي كون ما نجح النظام السوري في تحقيقه على الحدود اللبنانية – السورية، فشل في تحقيقه على إمتداد حدوده مع دول الجوار والتي يبلغ طولها نحو 2200 كيلومتراً(1).

نعم، الحدود السورية مع تركيا والتي يبلغ طولها أكثر من 800 كلم. تقع بأغلبيتها الساحقة تحت سيطرة كل من الأكراد و"الجيش السوري الحرّ" وتنظيم "داعش" الذين يتوزّعون السيطرة على سبعة معابر أساسية من أصل ثمانية. والمعبر الوحيد مع تركيا الذي لا يزال بيد النظام هو "القامشلي-نصيبين" في محافظة الحسكة، وهو مقفل من الجانب التركي، بينما يعمل الجيش السوري بقوّة على إسترداد معبر كسب في محافظة اللاذقية والذي كان سقط بيد وحدات المعارضة المسلّحة منذ بضعة أسابيع. وهذا يعني أنّ النظام السوري محاصر بشكل شبه كلي من جهة الحدود التركية.

وبالنسبة إلى الحدود السورية – العراقية، والتي يبلغ طولها أكثر من 600 كلم. فهي أيضاً تحت سيطرة الأكراد في بعض الأمكنة و"جبهة النصرة" في أمكنة أخرى. والمعبر الوحيد الذي لا يزال بيد الجيش السوري من أصل ثلاثة معابر أساسيّة، هو "التنف-الوليد" جنوب "دير الزور". وهذا يعني أنّ النظام السوري محاصر جزئياً من الجهة العراقية، على الرغم من وجود نظام حليف له في بغداد بقيادة رئيس الوزراء العراقي نور المالكي.

وفي ما خصّ الحدود السورية-الأردنيّة والتي تمتدّ على مسافة بطول يبلغ نحو 375 كلم. فهي تضمّ معبرين رئيسين، أحدهما "نصيب – جابر" في محافظة درعا وهو بيد النظام، والآخر "الجمرك القديم-الرمثا" وهو تحت سيطرة "جبهة النصرة". وليس سرّاً أنّ المعارضة السورية تواصل تحضيراتها لتوسيع مناطق سيطرتها الحدودية بين سوريا والأردن، إنطلاقاً من أراضي هذا الأخير، الأمر الذي من شأنه –في حال نجاحه– أن يزيد الضغط على النظام السوري على الجبهة الجنوبيّة.

تذكير أنّ سوريا تملك أيضاً حدوداً بطول يبلغ نحو 75 كلم. مع إسرائيل التي تحتلّ هضبة الجولان السورية ومزارع شبعا اللبنانية على الحدود، والكثير من الأراضي الفلسطينية في الداخل. وبالتالي إنّ كل الحدود السورية–الإسرائيليّة مقفلة، وتحاول مجموعات معارضة مسلّحة من وقت إلى آخر التقدّم نحو المراكز الحدودية الواقعة تحت سيطرة الجيش السوري، ما يؤدّي إلى وقوع معارك كرّ وفرّ.

وبالتالي، وبعد السيطرة في الماضي القريب على منطقة القصير ومحيطها، يأتي اليوم التقدّم الميداني الكبير للجيش السوري والقوى الحليفة له في منطقة القلمون، ليؤمّن الحدود السورية–اللبنانية بشكل شبه كامل، علماً أنّ طول هذه الحدود يبلغ نحو 370 كيلومتراً، وهي تضم خمسة معابر شرعيّة(2)إضافة إلى معابر غير شرعيّة في مناطق جبلية وعرة.

وممّا سبق، يتبيّن أنّ النظام السوري الذي يُسيطر على حدوده البحرية بشكل كامل، بات يسيطر على حدوده مع لبنان بشكل شبه كامل، مع إستثناءات محدودة جداً صارت معدومة الفائدة من الناحية العسكرية الميدانية واللوجستية بالنسبة إلى المعارضة. وهذا التطوّر النوعي للنظام، لا ينطبق على باقي الحدود السورية مع كل من تركيا والعراق والأردن، والواقعة بأغلبيّتها تحت سيطرة "المعارضات" السورية المختلفة، إضافة إلى الأكراد الذين صاروا يتمتّعون بحكم شبه ذاتي في مناطق تجمّعهم.

ويمكن القول في الختام إنّ النظام السوري الذي يعلم أنّ الحرب في سوريا ستتواصل طالما أنّ التمويل وعمليّات إرسال السلاح والعتاد مستمرّة من دول الجوار، بات على باب قوسين أو أدنى من "تأمين ظهره" بشكل كلّي، بمجرّد إسقاط المناطق الحدودية في الشمال اللبناني والقريبة نوعاً ما من حمص، ليتمكّن عندها من وصل كامل وحداته القتالية بعضها ببعض، من أقصى الحدود التركية في الشمال إلى أقصى الحدود الأردنية في الجنوب، وليصبح بذلك جاهزاً للتفرّغ أكثر لباقي المعارك المستقبليّة والتي لا تزال كثيرة!

(1)إضافة إلى الحدود البرّية مع خمس دول مجاورة، تملك سوريا واجهة بحرية على البحر الأبيض المتوسّط بطول يقلّ قليلاً عن 200 كلم.

(2)المعابر السورية–اللبنانية الشرعية الخمسة هي: الدبوسية–العريضة، طرطوس–العريضة، جديدة يابوس–المصنع، جوسيه–القاع، وتلكلخ–البقيعة.