لم تعد بلدة ​عرسال​ التي فتحت أبوابها على مصراعيها للاجئين السوريين قبل 3 أعوام، فتحولت لأكبر تجمع لهم في لبنان والمنطقة، تستطيع أن تتأقلم مع واقع جعل من أهلها أقلية ترزح تحت ثقل تداعيات النزوح الأمنية والاجتماعية وخاصة الاقتصادية. فالبلدة التي باتت تحوي ما بين 35 و40 مخيما للاجئين، بعضها عشوائي وبعضها الآخر منظّم من قبل جمعيات محلية، أشبه اليوم بمدينة حمص، ففي ساحتها التي لم تعتد زحمة مماثلة، المئات يتجمعون قرب المحال التجارية او يجولون بدرجاتهم النارية التي تقل عائلات بأكملها. حتى ملامح البلدة تغيرت وباتت ملامح سورية، فالمطاعم الجديدة لبست حلة سورية تماما كالمحال التجارية والدكاكين الصغيرة التي بات يمتلك قسمًا كبيرًا منها سوريون.

ما كان يقال بالهمس قبل عام، لم يعد العرساليون يترددون بالافصاح عنه: "ضقنا ذرعا"، تقولها منى (24 عاما)، هي التي لا تخجل بمناصرتها للثورة السورية تعتبر أن عرسال وأهلها تحملوا فوق طاقتهم.

وتضيف منى: "لقد دفعنا فاتورة باهظة لا بل هي الأكبر، وقد حان الوقت لاقامة مخيمات لهؤلاء اللاجئين في المنطقة الحدودية فينتقلون جميعا اليها".

ويبلغ عدد سكان عرسال حوالي 40 ألفا مقابل تخطي عدد اللاجئين السوريين المسجلين فيها عتبة الـ120 ألفا، كما يؤكد رئيس البلدية علي الحجيري، ما يعني 3 أضعاف عدد سكان البلدة الأصليين.

وتعاني عرسال حاليا من مشاكل في تأمين الطاقة من كهرباء ومياه لأهلها وضيوفهم، باعتبار ان بنيتها التحتية غير مهيأة للتعاطي مع كارثة انسانية مماثلة.

ويشتكي حسن (45 عاما) وهو صاحب ملحمة في وسط البلدة من "المضاربة" السورية، لافتا الى ان أعمال الكثير من أهل البلدة قد توقفت نهائيا مع تفاقم أعداد النازحين الذين حاولوا التأقلم مع واقعهم الجديد فحلوا مكان اللبنانيين باعتبار ان أجرتهم قد تصل لنصف أجرة العامل اللبناني.

ويقول حسن: "في بادىء الأمر فتحنا بيوتنا وقلوبنا لأهلنا من سوريا، لكن مدة اقامتهم طالت كثيرا فباتت تداعيات اللجوء علينا كبيرة كثيرا وهي لا تقتصر على التداعيات الاقتصادية بل تتخطاها لمشاكل اجتماعية نعاني منها ومشاكل أمنية".

وأكثر ما يضايق أهالي البلدة تصويرهم كبيئة حاضنة للارهاب والارهابيين، ويقول مصطفى (55 عاما) في هذا الاطار: "لطالما تعاطينا مع اللجوء السوري بشقه الانساني فاذا بنا نصوّر كأننا ارهابيون لايوائنا الأطفال والنساء والجرحى... للأسف كل ما فعلناه من خير انقلب علينا سلبا".

ويؤيد مصطفى طرح انتقال اللاجئين المنتشرين في عرسال الى مخيمات تشرف عليها الأمم المتحدة عند الحدود اللبنانية – السورية، باعتبار أنّهم قد يتلقون "مساعدات أفضل ويعيشون في ظروق حياتية طبيعية لم نعد قادرين على تأمينها لهم".

ولا تقتصر النقمة على تضخم أعداد النازحين السوريين وما يترك ذلك من انعكاسات سلبية على الشارع العرسالي فحسب، بل يصل الى أروقة المجلس البلدي حيث لا يتردد مصدر مسؤول بالدعوة الى نشر قوى أمنية لبنانية في المخيمات في عرسال لضبط الأوضاع فيها، معتبرا أن الحل الأمثل لأزمة اللجوء في عرسال هي بنقل اللاجئين الى مخيمات على الحدود وازالة المخيمات المنتشرة بشكل عشوائي في البلدة.

الوضع العرسالي الحالي ليس الا عينة عمّا تعانيه المجتمعات المحلية اللبنانية المضيفة للاجئين السوريين، سواء أكانت مؤيدة للنظام أو المعارضة، فحين يتعلق الأمر بلقمة العيش تسقط كل الاعتبارات الانسانية والطائفية والسياسية.