النظام السياسي في لبنان، قبل وثيقة الوفـاق الوطني في الطائف، كان نظاما رئاسيا حيث كانت السلطة التنفيذية مناطة برئيس الجمهورية، ولكـن بحسب التعامل المستمر منذ عهد الاستقلال على الاقـل لم تكن المراسيم تصدر الا بتوقيع رئيسي الجمهورية والحكومة والوزيـر المختص بما فيها مرسوم تشكيل الحكومة الذي يوقّع من الرئيسين معاً.

ومن هنا، يتبين ان النظام في لبنان (قبل الطائف) هو مزيج من نظامين: رئاسي (بحسب الدستور) وبرلماني (بحسب التعامل) انسجامـا مع الميثاق الوطني (1943). وبالرغم من ذلك كان المسلمون يطالبون على الدوام بالاصلاحات الدستورية او ما سمي بالمشاركة التي كان يطلقها على التوالي في تصريحاته المغفور له رئيس الحكومة السابق رشيد كرامي. والتي كانت من بين الاسباب الرئيسية لنشوب الحرب الاهلية في لبنان سنة 1975.

وعندما اعيد النظر بدستور سنة 1926 في الطائف واقرت بعض التعديلات الدستورية التي شملت على الاخص صلاحيات رئيس الجمهورية، اصبح نظامنا السياسي معها، بعد ان انيطت السلطة التنفيذية بمجلس الوزراء مجتمعا، نظاما برلمانيا مع وقـف التنفيذ!

وما يهمنا قوله، في هذا السياق، ان رئاسة الجمهورية، استنادا الى التعديل الجزئي للدستور بعد وثيقة الوفاق الوطني في الطائف، لم تعد توجب على من يترأسها ان يكون صاحب اكثرية برلمانية. وكذلك الامر بالنسبة الى رئاسة الحكومة. وذلك، للاسباب الدستورية المنصوص عنها في مقدمة الدستور بفقراتها (ج) " لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية" و(هـ) "النظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها" و(ح) "إلغاء الطائفية السياسية هدف وطني أساسي" و(ي) "لا شرعية لأيّ سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك".

وإنّ هذه المبادئ الدستورية ينسحب تطبيقها على الرئاسات الثلاث: رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب. وبكلمة أدق، ينبغي، انسجاما مع روح الدستور والميثاق الوطني، أن تكون شخصية كل من الرؤساء الثلاثة شخصية توافقية وليس رئيس الجمهورية فقـــــط. والا اختل التوازن الميثاقي والدستوري.

وعليه، ان الشخصية التوافقية يجب ان تكون من خارج رؤساء واعضاء الكتل النيابية كي لا تطغى رئاسة على اخرى وذلك تطبيقا لمبدأ المساواة ايضا الذي يعتبر من اسمى المبادىء في القواعد الدستورية، وبهدف الابتعاد قـدر الامكان عن تسخير هذه الرئاسات لصالح طائفة دون الاخرى.

ولئن كان مجلسا النواب والوزراء يتألفان من اعضاء ينتمون الى كتل نيابية طائفية فلا بد من ان تلعب الرئاسات الثلاث دور الحكم الساهر والمدافع عن المبادىء والقواعد الدستورية لصالح جميع اطياف الشعب اللبناني.

هذا هو الواقع الدستوري في لبنان بعد الطائف الذي ما يزال يتعامل معه رؤساء الكتل النيابية الطائفية، منذ ربع قرن، وفق ما يرونه ملائما لعملهم السياسي وبحسب قدرة واقتدار كل طرف منهم، وعلى قاعــدة: "رجل في البور ورجل في الفلاحة".

وازاء هذا التخبط في تطبيق الدستور لا نرى غرابة في الامر بان يترشح العماد ميشال عون صاحب اكبر كتلة نيابية مارونية الى مركز رئاسة الجمهورية.

وفي المحصّلة، ان وثيقة الوفاق الوطني في الطائف لم تجد ميدان تطبيقها الا على مركز رئاسة الجمهورية! اما كل من الرئاستين الثانية والثالثة فيطبق بشأنهما روحية دستور 1926! اما مجلس الوزراء فهو من المخلوقات العجيبة في نظامنا المسمى: "برلماني"، اذ ان الحقائب الوزارية تسند من والى جميع الكتل النيابية الطائفيةّّ! في حين ان المعارضة، التي تعتبر من اهم مظاهر الديمقراطية في الدولة، مغيبة وفي خبر كان! فاي نظام هو نظامنا السياسي؟!