يبلغ عدد مكتومي القيد اللبنانيين نحو 80 ألفاً، وهو عدد غير رسمي ويمكن أن يكون أكبر، علماً ان الاحصاء الاداري الاخير المثبت للجنسية اللبنانية جرى في لبنان عام 1932. ويتعرض الاولاد المكتومو القيد لشتى أنواع الاخطار، وخصوصاً أولاد الشوارع كالعمالة والعنف والاتجار بالبشر والسجن والانحراف والتسوّل، الى جرائم أخرى.

"أنا طفل لبناني، أمي وأبي لم يسجلاني في دوائر النفوس، يعني اسمي مكتوم القيد. وين حقي بالطبابة؟ وين حقي بالتعلم، وبالعمل؟ وين حقي بالزواج؟ وبالانتخاب؟ وين حقي بالتملك؟ الهوية بتسمح لي أحصل على كل حقوقي". هذا نموذج من عدد كبير من الأولاد المكتومي القيد غير المضمونة حقوقهم في لبنان. ثمة الكثير من العائلات لم تسجل أولادها في سجلات النفوس المخصصة لذلك، وهم غير مدركين للاخطار المترتبة عن عدم التسجيل هذا، مما يحرم أولادهم الحق في الاسم والتعلم والطبابة والزواج والعمل والانتخاب والترشح والتملك والارث. "وثمة عوامل كثيرة تحول دون تصحيح وضع المكتوم القيد القانوني أبرزها الجهل والفقر، أو تعذر وجود المستندات الثبوتية في بعض الحالات من جراء تراخي الزمن"، وفق القاضية رنا وليد عاكوم، التي أعدت دراسة بعنوان: "اللبنانيون المكتومو القيد، بين التشريع والاجتهاد". علماً انه في 1991، صادق لبنان على اتفاق حقوق الطفل الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة، والذي نص في المادة السابعة منه على أن "يسجل الطفل بعد ولادته فوراً ويكون له الحق منذ ولادته في اسم، والحق في اكتساب جنسية، ويكون له قدر الامكان الحق في معرفة والديه وتلقي رعايتهما".

ظروف صعبة

ثمة جهل لكيفية تسجيل الأطفال في دوائر النفوس اللبنانية، لذا عمدت "لجنة معالجة اوضاع الاطفال المكتومي القيد اللبنانيين" الى تسليط الضوء على هذه القضية والحد من هذه الظاهرة عبر تعزيز الوعي حيال واجب الأهل في تسجيل أولادهم لدى دوائر النفوس وكيفية اجراء التسجيل لدى المراجع المعنية وفق المهلة القانونية وحتى في حال انقضاء مهل التسجيل الاداري والمستندات المطلوبة وكيفية المتابعة. وتؤكد رئيسة اللجنة المحامية أليس كيروز سليمان لـ"النهار" ان هؤلاء الاولاد يعيشون في ظروف صعبة وأليمة ومهمشة لناحية التعلم والطبابة والعمل وكل الحقوق الواجب ان يحصلوا عليها. "فهدفنا وقائي وتوعوي في الوقت عينه. سنبدأ قريباً بحملة توعية في كل المناطق اللبنانية، بمؤازرة الاعلام، لتوعية الأهل على التسجيل الفوري لأطفالهم فور ولادتهم كي لا يقعوا في اخطار ومغالطات يتعرض لها الكثيرون اليوم، ومن جهة ثانية ندعو الأهل غير المسجلين أولادهم الى ان يعمدوا الى تسجيلهم كي يحصلوا على حقوقهم، اضافة الى توعية المواطنين في المناطق على اخطار عدم تسجيل الاولاد". وركزت سليمان على خلق نوع من الشراكة والتنسيق بين اللجنة ووسائل الاعلام ولنشر الوعي حول اهمال الاهل لتسجيل أولادهم.

كيف يسجّل الطفل؟

في البدء على الأهل التصريح عن الطفل المولود في لبنان لدى المختار خلال 30 يوماً من تاريخ الولادة، تحت طائلة الغرامة. واللجنة عممت في كتيب أعدته مع "مؤسسة الرؤية العالمية" عن الخطوات الواجب اتباعها لتسجيل الاولاد في دوائر النفوس. فمن تاريخ الولادة حتى عمر السنة، يتم التصريح عن حصول الولادة لدى موظف الاحوال الشخصية (مأمور النفوس) عبر اتباع الخطوات الآتية: ينظم الطبيب أو القابلة القانونية شهادة ولادة تسلم الى الأب أو الأم أو ولي الأمر يأخذها الأهل الى مختار محل الولادة، لتنظيم وثيقة الولادة. ثم يوقع الأب أو الأم أو الولي والطبيب أو القابلة القانونية على وثيقة الولادة ثم يصادق المختار على صحة التواقيع. بعدها يأخذ الأهل وثيقة الولادة الى قلم النفوس في محل الولادة لتسجيل المولود الجديد.

أما بعد عمر السنة فلا يمكن تسجيل الطفل المكتوم القيد الا بقرار صادر عن القضاء المختص، اذ يقدم صاحب العلاقة شخصياً او بواسطة محام دعوى امام قاضي الأحوال الشخصية. اما المستندات المطلوبة فهي: شهادة ولادة صادرة عن طبيب او قابلة قانونية، وثيقة ولادة مصادق عليها من المختار، إخراج قيد عائلي للمطلوب القيد على خانته، وثيقة زواج، قرار ثبوت النسب الصادر عن المحاكم الدينية.

المولودون خارج لبنان

وعن كيفية تسجيل الأطفال المولودين خارج لبنان، على الأهل التوجه الى أقرب قنصلية في الخارج والتصريح عن حدوث الولادة، عندها يرسل القنصل الى لبنان (عبر وزارة الخارجية والمغتربين) المستندات المطلوبة لقيد الطفل في دوائر النفوس ويسلم الاهل وثيقة موقتة تستعمل بدل الهوية. أما المستندات المطلوبة فهي شهادة ولادة صادرة عن المراجع المعنية المختصة، اخراج قيد عائلي للمطلوب القيد على خانته، وثيقة زواج.

ثمة حالات أخرى، اذ ان بعض المولودين خارج اطار الزواج غير مسجلين، لهم الحق أيضاً في الحصول على الهوية. فينظم وثيقة ولادة الطفل الشخص الذي يتعهده أو الطبيب أو القابلة، ولا يذكر اسم والده أو والدته الا اذا اعترف احدهما. يدوّن الطفل على خانة الأصل الذي اعترف به أولاً (الوالد او الوالدة). واذا لم يعترف بالطفل والده أو والدته يتمّ قيده بالأسماء التي يختارها منظم وثيقة الولادة.

في القانون

في دراستها، بحثت عاكوم "في واقع الأطفال اللبنانيين المكتومي القيد من الناحية القانونية" وفي ضوء المعايير الدولية واللبنانية، وتناولت حقوقهم المكرسة في التشريعات اللبنانية المرعية الاجراء "الرامية في شكل أساسي لإثبات تابعيتهم اللبنانية، كما تحدد الآليات القانونية لتدوين قيودهم في سجلات النفوس اللبنانية، اذ ان بقاء الاطفال في حالة انعدام الوجود القانوني من شأنه أن يعرّضهم، اضافة الى العراقيل القانونية والعملية التي سنأتي على بحثها، للتسوّل أو التشرّد، كما هي الحال بالنسبة الى قسم من الاطفال المجهولي الوالدين، أو يعرّضهم للاستغلال وللاتجار بهم من جراء ارغامهم على التسول وفقاً لما تقضي به أحكام قانون مكافحة الاتجار بالبشر الرقم 461 الصادر في 24/8/2011، ويدرجهم بالتالي ضمن فئة الاحداث المعرّضين للخطر طبقاً لأحكام القانون الرقم 422/2002 الخاص بحماية الاحداث المخالفين للقانون او المعرضين للخطر". وأكدت عاكوم ان الوسيلة الناجعة لمعالجة موضوع الاولاد المكتومي القيد تكمن "في أداء المؤسسات العامة وفقاً لما تحدده القوانين والانظمة. فتوفير التشريع المثالي لا يمكن ان يحل مشكلة كمشكلة اللبنانيين المكتومي القيد الا اذا ساهمت المؤسسات المعنية، لا سيما منها المديرية العامة للأحوال الشخصية من جهة، والمحاكم من جهة أخرى، في تحقيق الأهداف التي يحددها هذا التشريع عبر الوسائل الميدانية الفاعلة، فتلتزم هذه المؤسسات المبادىء التي تقررها التشريعات وتعمل على اعطائها مفعولها الانساني وبعدها الميداني تطبيقاً على أرض الواقع".