لا أحد من المعنيين بسلسلة الرتب والرواتب كان يتمنى الوصولَ إلى ما وَصَلَ إليه الوضع:

لا هيئة التنسيق النقابية ولا الهيئات الإقتصادية ولا اللجان النيابية المشتركة ولا وزارة المالية ولا حتى الحكومة أو مجلس النواب، وعليه فليس من باب المغالاة القول إنَّ هذا الوضعَ أدخل الجميع في نفق المجهول والمأزق:

هيئةُ التنسيقِ النقابية وَصَلَتْ إلى ما وَصَلَتْ إليه ولن تكون قادرة على التراجع عن أرقامها وسقفها المرتفع.

الهيئاتُ الإقتصادية لن يكون بمقدورها القول إنَّها غير معنية بل إنَّها ستتحمَّل جزءاً من الأعباء في حال أُقرَّت السلسلة.

الحكومةُ ستُفكِّرُ ملياً قبل استرداد السلسلة لأنَّها تخشى من ردة فعل الشارع.

إذاً الجميع في الورطة، فمن أين المفر؟

الجواب، لا مفَرّ. حيث أنَّ السلسلة أصبحت واقعاً أو أمراً واقعاً، حتى ولو تم تأجيل دراستها انطلاقا من الاقتراح الذي تم التقدم به مساء. وإنَّ السؤال لم يعد: هل ستُقرُّ السلسلة، ولو بعيد حين؟ بل: ماذا بعد السلسلة؟

وما هي المضاعفاتُ والإرتدادات؟

الأقساطُ المدرسيةُ ستُرفعُ لأنَّ إدارات المدارس ستدفع الزيادات للأساتذة وستأخذها من الأقساط.

أسعارُ السلع سترتفعُ لأنَّ المستورَدةَ منها ستُضاف الرسوم الجمركية عليها كما إنَّ المواد الأولية للصناعات المحلية سترتفع أسعارها.

الودائع المصرفية ستزيدُ الضريبة عليها من خمسة في المئة إلى سبعة في المئة.

وهكذا ستصلُ كلفةُ السلسلة إلى 2400 مليار ليرة أي نحو مليار و800 مليون دولار.

وإذا ما أُضيفَتْ إليها كلفةُ القوانين التي تمَّ إقرارُها في الجلسات الأخيرة لمجلس النواب، وفي مقدَّمِها قانونُ المياومين والدفاع المدني فإنَّه يمكن أن ترتفعَ الأكلافُ إلى أكثر من 3000 مليار ليرة.

هذا الرقم الباهظ كيف يمكن التعامل معه أو تحقيقه؟

الأمرُ صعبٌ إلى حدٍّ بعيد وربما لهذا السبب سيُبادر الرئيس فؤاد السنيورة إلى تقديم إقتراحٍ يقضي بردّ سلسلة الرتب والرواتب إلى الحكومة لإعادة النظر فيها وتحديد مواردها بطريقة أكثر دقّة، للحدِّ من إنعكاساتها وارتداداتها السلبية، بعيداً من المزايدات السياسية التي ضجَّ بها من خلال اللعب على عواطف الناس من دون تقديم أيِّ إنجازاتٍ عملية لهم.

السلسلةُ سترتدُّ سلباً على الأوضاع الإقتصادية والنقدية، حتَّى لو جرى التخفيفُ منها كتقسيطها على ثلاث سنوات وإلغاء المفعول الرجعي منها.

السؤال هنا:

كيف، بسحرِ ساحر تقدَّمت كلُّ هذه الملفات المعيشية دفعةً واحدة؟

مَن الذي جعلها تتقدَّم على أولوية الإستحقاق الرئاسي؟

هل يعلم حديثو السياسة أنَّه لو أُعطيت الأولوية للإستحقاق الرئاسيّ، لكان الإنتعاشُ السياسيُّ والماليّ والإقتصاديّ قد فعل فعله، فتأتي السلسلة في بداية العهد وفي ظلِّ حكومةٍ جديدةٍ بطريقةٍ سلسة ومن دون مخاوف؟

لكن أن تأتي السلسلة في نهاية العهد فإنَّ الهدفَ منها ليس تحسين الوضع الإقتصادي بل ضرب الموسم الرئاسي للوصول إلى أوضاعٍ لا تُحمَدُ عقباها.

والأسئلة هنا تتكرَّر وتكبر، ومن أبرزها السؤال التالي:

هل المطلوبُ من وراء ضجة السلسلة قنابل دخانية للتعمية على المهل الدستورية وإنتخابات الرئاسة؟

الأسئلةُ واجبةٌ ومُحقَّةٌ ولكن من يملك الجواب؟