لا يبدو أنّ إنجاز الاستحقاق الرئاسي هذه المرّة سيكون بالسهولة التي يتوقّعها البعض وتحت عنوان رئيس «صُنعَ في لبنان»، إذ يبدو أنّ الصُنع ما زال على هِمّة الخارج.

ما كان عليه الواقع الداخلي والإقليمي والدولي عام 2008 عندما انتُخب الرئيس ميشال سليمان إثر «اتّفاق الدوحة»، هو غير ما هو عليه اليوم، حيث لم يكن هناك ما سمّي «ربيع عربي» في هذه الدولة العربية أو تلك، وكانت غالبية الأنظمة العربية تركّز اهتمامها على لبنان، مخافة أن تتطوّر الأزمة السياسية فيه إلى فتنة مذهبية يمكن شرارتها أن تطاول محيطه القريب والبعيد.

وفي ظلّ الواقع الحالي تبيّن للمعنيين بالاستحقاق في الداخل والخارج أنّ «دواء» التمديد في سدّة الرئاسة لم يعد صالحاً لتقطيع مراحل معيّنة، أو مطلوب إمرارها، مثلما كان يحصل في عهود رئاسية سابقة. كذلك تبيّن لهؤلاء أنّ تجربة «الرئيس التوافقي» التي اجتُرِحت في مؤتمر الدوحة أثبتَت عدم نجاعتها، إمّا لِعلّةٍ في الخيار، أو لِعلّة في الإختيار، أو في مَن إختار، وفي الوقت الذي ثبتَ بالملموس فشل «الربيع» في الدول التي شملها، خصوصاً تلك التي شهدت وتشهد ثورات مضادّة للثورات التي تفجّرت فيها، وكذلك تلك التي بدأت الثورات فيها تأكل أبناءَها، أو تهدّد بتفكك كيانها مثلما يحصل في ليبيا، فإنّ ثمّة رِدّة بدأت تظهر معالمها على غير مسرح إقليمي تبدو الغاية منها إحداث «فوضى خلّاقة» في دول «الربيع العربي» من أجل إقامة أنظمة نقيضة لتلك التي أنتجتها الثورات، وتبدو مصر في هذا المجال أبرز دليل، حيث فشل الإسلام السياسي بنموذجه «الإخواني» في سلطته التي لطالما طمح للوصول إليها منذ ما قبل عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وتطايرت شرارات هذا الفشل لتشمل الثورات والأنظمة في تونس وليبيا وغيرهما، وطاولت بعض الدول الداعمة لـ»الإخوان المسلمين» نفسها، فانعكست تغييراً في إداراتها، خصوصاً في قطر، وكذلك في تركيا التي تقف على أبواب تغيير في الادارة الأردوغانية من خلال استحقاق ​الانتخابات الرئاسية​ التركية في 15 آب المقبل.

ويربط المراقبون مصير الاستحقاق الرئاسي اللبناني بجملة استحقاقات مماثلة في المنطقة، فإلى الاستحقاق التركي هناك انتخابات الرئاسة في مصر، حيث يتوقع فوز المشير عبد الفتاح السيسي فيها، وكذلك في سوريا حيث سيترشّح الرئيس بشار الأسد لولاية جديدة. وفي العراق أيضاً، حيث ستجري في 30 من الجاري الانتخابات النيابية، والتي سيتقرّر في ضوئها مصير رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي، في الوقت الذي يُبحث في مصير الرئيس العراقي جلال الطالباني الذي يخضع لعلاج في ألمانيا منذ أكثر من سنة. ويضاف إلى كلّ ذلك القرارات والأوامر الملكية والتغييرات التي تجريها القيادة السعودية والتي تتّصل بتعزيز مستقبل المملكة ودورها على الصعد العربية والاقليمية والدولية، في الوقت الذي يكثر الحديث عن اقتراب موعد الحوار والتلاقي بينها وبين القيادة الايرانية. فضلاً عن انتظار الجميع بدء الترجمة العملية لنتائج زيارة الرئيس الاميركي باراك اوباما الاخيرة للرياض والمنطقة، وكذلك انتظار نتائج الحوار الجاري بين ايران والدول الغربية عموماً، وبينها وبين الولايات المتحدة خصوصاً حول ملفّها النووي، والملفّات الأخرى، ومنها الوضع في المنطقة والأدوار الاقليمية للسعودية وإيران وبقيّة الدول فيها.

ولذلك، يتوقّع أحد السياسيين الذين تمرّسوا طويلاً في العمل الديبلوماسي أن تطلق جلسة انتخابات الرئاسة التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في 23 من الجاري السباقَ بين المرشّحين الرئاسيّين الذين لن يُنتخب أيّ منهم إلّا بعد تبلوُر صورة الوضع الإقليمي، في ضوء الاستحقاقات الرئاسية والانتخابية المقرّرة في سوريا وبعض دول الإقليم، ما يعني أنّ الجلسة المقبلة ستكون بمثابة جولة أولى من جولات التنافس الرئاسي الذي سيدور على إيقاع تلك الاستحقاقات، وقد يُسجّل في كلّ جولة ما يشبه الغربلة لأسماء المرشّحين، إلى أن يتظهّر شخص الرئيس العتيد في الجولة الأخيرة التي يتوقّعها المتفائلون في أوائل الصيف، فيما يتوقّعها المتشائمون في أواخره.