ما إن دعا الرئيس نبيه برّي إلى عقد جلسة انتخاب رئيس للجمهورية، في 23 من الجاري، حتى بدأت التفسيرات للدعوة وخلفياتها. فريق 8 آذار يرى فيها «جلسة اختبار للتوافق»، و14 آذار ترى فيها «جلسة لاختبار النيات، وتحديداً عند الأفرقاء المسيحيين». أما النتيجة فـ«مجهولة»، لا سيما أن «الجلسة لم يسبقها أي توافق»

منذ بدأ الحديث عن الانتخابات الرئاسية، شخصت الأنظار إلى التاريخ الذي سيحدّده رئيس مجلس النواب نبيه برّي لعقد جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية. ورغم الانشغال بالورشة التشريعية في الهيئة العامة، كانت العجلة الرئاسية في عين التينة قد بدأت بالدوران، سواء عبر لجنة التواصل الثلاثية التي كلّفها برّي باستطلاع آراء الكتل والحصول على تأكيد مسبق بالتزام حضور الجلسة، أو من خلال اتصالاته التي لم تهدأ مع كل القوى المعنية.

أمس، استخدم رئيس المجلس صلاحياته، وضبط ساعة الاستحقاق على 23 من الشهر الجاري. لكنّ أوساطاً سياسية ونيابية متابعة لشؤون الاستحقاق الدستوري فوجئت بتاريخ عقد الجلسة، انطلاقاً ممّا حصل أول من أمس في موضوع سلسلة الرتب والرواتب، وتحديداً إعطاء مهلة 15 يوماً للجنة النيابية لإعادة درس السلسلة. فهل يمكن عقد جلسة تشريعية بعدما تحوّل المجلس إلى هيئة ناخبة، ولا سيما في حال تعذّر انتخاب رئيس في 23 الجاري؟

نواب في كتلة «التنمية والتحرير» يؤكّدون دستورية أي جلسة تشريعية يعقدها المجلس، مشيرين الى أن «برّي أكد مراراً أن المجلس لا يتحوّل إلى هيئة ناخبة إلا يوم انعقاد جلسة الانتخاب، وفي الأيام العشرة الأخيرة قبل نهاية ولاية الرئيس الحالي». ورأوا أنه «آن الأوان لكي يتقدّم رئيس المجلس بخطوته الدستورية عبر توجيه الدعوة، فقد دخلنا عملياً ضمن المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد خلفاً للرئيس ميشال سليمان الذي تنتهي ولايته في 24 أيار 2014»، لذا «كان على رئيس مجلس النواب دعوة النواب كي تجري العملية الانتخابية في المُتسع اللازم من الوقت لانتخاب رئيس». ما فعله الرئيس برّي هو «الأصول»، إذ كان «دائم التأكيد على أهمية لبننة الاستحقاق، وعدم انتظار الخارج». لكنه، رغم ذلك، لا يحمل في جعبته ما يضمن حصول الانتخاب. جلّ ما يملكه هو «تأمين النصاب في الدورة الأولى، لتصبح كل كتلة مسؤولة عن تبعات قرارها في الدورة الثانية»، كما يقول النواب الذين أكدوا أن جوّ الرئيس «يشي بعدم توافر المناخ الملائم ولا اكتمال الشروط التي بإمكانها أن تنتج رئيساً». وبما أن «المرشحين كثُراً فالسيناريوات داخل الجلسة ستكون مفتوحة واللعبة الديمقراطية ستأخذ مداها».

لكن لماذا يدعو الرئيس برّي إلى جلسة لم يسبقها تفاهم بين الكتل والقوى السياسية التي تمثلها على شخص الرئيس العتيد؟ في عرف بعض نواب فريق الثامن من آذار «الأمر طبيعي». خلف الحديث عن ضرورة انتخاب رئيس جديد يُخبّئ البعض وجهة نظره في ما يتعلق بهذه الجلسة التي يُعرّفون عنها بأنها «جلسة اختبار حول التوافق على مرشّح واحد». فخلالها «سيتمّ تحديد سير اتجاه الأمور، ومعرفة ما إذا كان التعذر في الوصول إلى مرشح وسطي يتطلّب لاحقاً تدخلاً إقليمياً ودولياً، لم يفرض نفسه بعد». قلّة في هذا الفريق تذهب بعيداً في تفسير الدعوة التي يُمكن أن تكون «خطوة لامتصاص النقمة الشعبية حول موضوع السلسلة، وتحويل انتباه الشارع إلى الانتخابات الرئاسية التي أجّل البحث فيها، فانشغل الجميع في مشاريع القوانين والاقتراحات خلال الجلسات التشريعية».

بيد أن لنواب 14 آذار تفسيراً سياسياً مغايراً. فأياً تكن الأجواء في اليومين المقبلين، أي قبل انعقاد الجلسة، ستكون الجلسة «محكّاً لاختبار النيات، خصوصاً لكل من المرشحين النائب ميشال عون ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع». وهنا يرسم أحد النواب سيناريو يبدأ بسرده لطرح الأسئلة. السيناريو هو كالآتي: لا ينال في دورة الاقتراع الأولى أيّ من المرشّحين تأييد أكثرية الثلثين، وهي الأكثرية المطلوبة نصاباً قانونياً ودستورياً لانعقاد الجلسة، ثمّ تُجرى دورة الاقتراع الثانية التي ينبغي على المرشّح الرئاسي أن ينال فيها الاكثرية المطلقة، أي 65 نائباً حتى يفوز. وبسبب الانقسام الحالي، سيتعذّر حصول أحد المرشحين على الأصوات اللازمة لانتخابه (8 آذار والتيار الوطني الحر من جهة، و14 آذار من جهة أخرى، وكتلة النائب وليد جنبلاط بينهما). وبناءً على ذلك، يرفع برّي الجلسة لعدم حصول انتخاب رئيس، ويدعو الجميع الى التوافق على مرشّح. فهل يقبل أقوى مرشحين رئاسيين، عون وجعجع، بالتراجع عن معركتيهما، ليتحوّلا إلى ناخبين لإتاحة المجال أمام مرشّح توافقي، أم أنهما سيخوضانها، ويتحمّل كل منهما مسؤولية الفراغ، ومعهما فريقا 8 و14، إذا ما قررا التمسك بمرشحيهما من دون الذهاب إلى بديل ثالث؟ وما هي الخيارات الموجودة بين أيديهما للاستمرار في هذا الترشّح؟

البعض رأى أن ما حصل في جلسة الرتب والرواتب يكاد يكون «إشارة للتوافق حول عون الذي لن يحظى ربما بتصويت كتلة المستقبل، ولكن بتأمينها نصاب الجلسة لانتخابه». وعن إمكانية تطيير النصاب، يقول نائب آخر إنه «لا أحد يريد وضع نفسه في مواجهة الشارع المسيحي، رغم تمسّك البعض بحقه الدستوري بالانسحاب من الجلسة». فهل «هناك من هو قادر على تحمّل هذه المسؤولية؟».

على أي حال، كل المعطيات تشير إلى أن جلسة الانتخاب لم يسبقها أي توافق. كل فريق سياسي يُفسّر دعوة بري إلى عقد جلسة انتخاب من وجهة نظر مختلفة. أما انتخاب الرئيس فيخضع للتطورات التي ستحصل داخل الجلسة ساعة بساعة، وكل الاحتمالات مشرّعة إلى حين العثور على اسم بديل لميشال سليمان.